-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مصطفى سعداوي يكتب عن الولاية التاريخية الثالثة:

تاريخ الثورة الجزائرية من مدخل اجتماعي

د. حسين بوبيدي
  • 638
  • 0
تاريخ الثورة الجزائرية من مدخل اجتماعي

صدر قبل أسابيع عن وزارة المجاهدين؛ وفي إطار الأعمال المنشورة ضمن فعاليات ستينية استرجاع السيادة الوطنية، كتابٌ جديد للدكتور مصطفى سعداوي أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة أكلي محند أولحاج بالبويرة تحت عنوان: الولاية الثالثة في الثورة الجزائرية: التاريخ الاجتماعي للقرى الثائرة (1954-1962)، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه، يتميز بنمط معالجة مميز ومتفرد، وهذا النوع من الدراسات التي تبدع مقاربات جديدة وتوظف أدوات مختلفة هو ما يعمّق البحث التاريخي، ويتجاوز حالة الاجترار والتكرار وإعادة إنتاج نفس الأفكار بعناوين جديدة.

أهمية المقاربة الاجتماعية في التأريخ للثورة:

تقوم فكرة الكتاب على أن الثورة الجزائرية ليست مجرد نشاط عسكري وسياسي، بل إنها أيضا ثورة اجتماعية، ذلك أن البيئة الحاضنة للفعل الثوري، سايرت التحولات العميقة في طرق النضال الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، فهي التي قاومت بالسلاح في القرن 19 وعايشت أشكال الاجرام الاستعماري على مختلف الأصعدة، وتحملت ذلك لأجل انبعاث جديد، فلم تدفعها الهزيمة العسكرية المؤقتة إلى التخلي عن هويتها الثقافية والدينية، إذ قامت المساجد والزوايا والمدارس القرآنية ثم النوادي والصحافة بتأطير المجتمع الجزائري لإفشال مشروع الهدم الهوياتي الاستعماري، الذي راهن على الزمن لتحقيق عملية الابدال وخلق مجتمع جديد يقطع مع ماضيه، وبالتالي استند الجزائريون إلى هذا العمق من أجل أن يستمر الرفض النفسي للاستعمار، وعندما جاء النضال السياسي كانوا على أهبة الاستعداد له، وشاركوا فيه باعتباره السبيل المتاح، وعبّروا من خلاله عن استمرارية حالة الرفض، وقد كشفت مجازر 1945 أن نفس الروح المقاومة التي صنعت ملاحم القرن 19 لا تزال متوقدة عند الجزائريين، وهو ما راهن عليه من خطّط للثورة التحريرية، وكان رهانه موفقا، واختيار الزمن دقيقا، وقدّم المجتمع الجزائري للثورة ما تحتاجه لتنجح، فكانت الثورة التحريرية ثورة المجتمع الجزائري، وعبّرت عن ذات التطلعات التي تسكنه في طرد الاستعمار منذ 1830.

مصادر الكتاب:

تتميز أعمال الدكتور مصطفى سعداوي بالعمق والتحليل، وهو يستند إلى مختلف المظان التي تسمح بكتابة تاريخية تقترب حسب الامكان من الحقيقة بكل موضوعية وتجرد، وفي هذا العمل استند إلى أنواع مختلفة من المصادر، في مقدمتها المادة الأرشيفية التي تعد العمود الفقري، فوظف الوثائق المحفوظة في الأرشيف الوطني الجزائري ببئر خادم، وأرشيف متحف المجاهد (ملحقة تيزي وزو)، وفي فرنسا رجع إلى وثائق الأرشيف الوطني لما وراء البحار في مدينة آكس أون بروفونس،وأرشيف المصلحة التاريخية للدفاع SHD في فانسان، وأرشيف الديبلوماسية الفرنسية لاكورناف بباريس، كما استغلّ الكثير من الشهادات الشفوية والمذكرات المكتوبة التي صدرت عن الفاعلين في الوقائع التي يؤرخ لها، وكثير من هذه الشهادات كان المؤلف هو من سجّلها مع المجاهدين، وبعضها جمعها من مختلف الإذاعات الوطنية والمتاحف وغيرها.

بالإضافة إلى ما سبق، فقد استند الدكتور سعداوي إلى مئات الأبحاث والدراسات والرسائل الأكاديمية باللغتين العربية والفرنسية، وتدل مطالعة قائمة المصادر  والمراجع على الإرادة القوية والجهد الكبير الذي بذله لتحصيلها داخل الجزائر  وخارجها، لاستقصاء ما كُتب حول مختلف جوانب الموضوع المدروس، وهو ما تحمّل لأجله سنوات من البحث المتواصل والمقارنة والتدقيق، خاصة وأن الدراسات الاجتماعية تحتاج أدواتٍ مختلفة ومتداخلة، فإضافة إلى المادة التاريخية التي استعرضنا مظانّ تجميعها، فإنها في حاجة إلى توظيف نظريات علم الاجتماع، وفلسفة التاريخ، والأنثروبولوجيا وعلم النفس الجمعي، ومن أجل الاستماع للصوت العميق للمجتمع، فإن المؤلف وظف الرواية الشفوية، لا باعتبارها مصدرا للمادة فقط، بل أيضا كصوت يعبّر عن العقل الجمعي، من أجل منع وصاية المكتوب على التاريخ، وهذا المنهج الآن يعدّ من المناهج الجديدة التي تستحضر مشكلة التاريخ البنائي الذي قد يتجاوز الحقيقة في الماضي من أجل المصلحة في الحاضر، ويغيب الفئات التي لم تدوِّن من عملية استعادة الحدث، فصوت الرواية الشفوية يعمل على إقامة هذا التوازن الذي يقصد فهم اللحظة التاريخية بسياقاتها المتداخلة.

عتبة الكتاب:

أسس الدكتور سعداوي لعمله بفصل تمهيدي يمثل الإطار  المنهجي للدراسة، استعرض فيه سيرورة اختياره للموضوع المدروس؛ والذي أستعير منها عبارة عميقة قال فيها: “لم يعد [البحث] مجرد واسطة لنيل شهادة مهما علا شأنها، وإنَّما مسؤولية ثقيلة ينوء بحملها كاهلي، مسؤولية إنقاذ التاريخ الصامت لتلك الأماكن غير المرئية، وأولئك القرويين المنسيين من براثن الإهمال والضياع”، ثم عرض في تبيان إشكاليته إلى انتصاره لمصطلح الثورة على مصطلح الحرب لتعريف ما قام به الجزائريون في الفترة: 1954-1962، منبِّها إلى أن الدّراسات بالجزائر تغلّب التركيز على النشاط الحربي، بينما يُحيل المصطلح إلى ماهو أكثر من ذلك، فالثورة قطيعة كاملة مع ما قبلها، والصراع الجزائري الفرنسي كان صراعا لا تماثليا يختلف اختلافا جذريا عن الحروب الكلاسيكية، فهو بالأساس ليس صراعا على الأرض، بل على المجتمع الجزائري، الذي يتحكم الطرف الفرنسي فيه بمؤسساته وقوانينه، بينما يتحكم فيه الثوار من خلال المعتقد والرصيد القيمي؛ أي الانتماء الهوياتي، والظفر بالمجتمع كان هو الانتصار في هذا الصراع، ثم عرض المؤلف لمصادره، معرفا بالعلب الأرشيفية التي استخدمها داخل الجزائر وخارجها، وطريقة استنطاقه للمذكرات والروايات الشفوية، والتمييز بين ما هو ذاتي وانطباعي وما هو تاريخي وتوثيقي، ثم قدم لنا المقاربات والأدوات المنهجية التي اعتمدها، لندرك اندراج هذا العمل ضمن منظور يجمع بين التاريخ الطويل والقصير، ويستحضر البنى لفهم العمق الذي يحرّك الحوادث، وهذه المقاربة المتداخلة أسَّس سعداوي من خلالها لفهم ديناميكية المجتمع في الولاية الثالثة وتفسير مواقفه، وإدراك العوامل التي أدت إلى الطريقة التي تفاعل بها مع التحولات الطارئة.

وقد ضمَّت الدراسة -بالإضافة إلى الفصل التمهيدي- أربعة أبواب واثني عشر فصلا، اعتمد المؤلف في بنائها على معيارين؛ المعيار الموضوعي ويقصد به التسلسل المنطقي للأفكار، واستخدمه في ترتيب كليات البحث، والمعيار الكرونولوجي؛ أي التسلسل الزمني للأحداث، ووظفه في ترتيب الجزئيات الداخلة في نطاق كل وحدة موضوعية، ونقدم هنا إشارات مركزة ومفتاحية لمضامين كل باب وفصل منها.

الباب الأول: مفاتيح الفهم:

لقد سعى الباب الأول المكوَّن من فصلين إلى إدراج الموضوع المطروق في إطاره التاريخي العامّ، وهو بمثابة القاعدة لفهم كل العمل؛ حتى لا تبدو الحقائق المعروضة مقتلَعة من جذورها، ومفصولة عن مسبباتها، فجاء الفصل الأول تحت عنوان: القوى المترسِّبة والسياق الاستعماري، قدَّم توصيفا للمجال الجغرافي للولاية التاريخية الثالثة، وبين الرابط بين هذا الوضع “الجبلي الصعب”، وبين البنية الاجتماعية التي تشكلت فيه، والتي مثلت فيها القرية لا القبيلة (العرش) حجر الزاوية، مبيِّنا طبيعة التلاحم القوي في هذه القرى، والتي تبرز في أشكال عديدة من التضامن الاجتماعي.

ومن خلال تبيان مركزية دور الزوايا في هذا المجتمع يكشف المؤلف عمق فاعلية الإسلام في منطقة كانت مشتلة للزوايا ومهدا للعديد من الشخصيات الدينية البارزة، ومع بروز ثنائية قيادية بين المرابطين/ شيوخ الزوايا من جهة، وأمناء القرى وتاجماعت من جهة أخرى؛ فإن المؤلف ينتصر  لفاعلية مؤسسة الزاوية، وأن نظام تاجماعت ذاته أحد مخرجاتها.

ويُبرز الدكتور سعداوي سياق الاحتلال الاستعماري وما تعرّض له السكان من أنواع الاجرام كباقي مناطق الوطن، وفي العنصر الذي سمَّاه: سياسة قبائلية أم سياسة ضد القبائل؛ شرّح أهداف السياسة الاستعمارية التي قصدت إلى تحقيق القابلية للاندماج من خلال ما عُرف بـ”السياسة القبائلية”، ويندرج ذلك في إطار مشروع التفريق والتفكيك، وفي الفصل الثاني من هذا الباب الذي عنونه: فجر الولاية الثالثة، تابع المؤلف النضال الوطني السياسي بمنطقة القبائل، حيث استمرت فاعلية مجتمع القرى التي كانت هجرة أبنائها إلى فرنسا كثيفة، ما أدى إلى حضور كبير في نجم شمال إفريقيا/ حزب الشعب الذي تابع سعداوي عوامل تجذُّره وتوسُّعه وتفوُّقه على حزب فرحات عباس، كما رصد توسُّع نشاط العلماء بدعم من البرجوازية المحلية وخاصة في القبائل الصغرى.

وقد ناقش في هذا الفصل أزمة 1949 داخل حزب الشعب، واختار  لفهمها مقاربة مختلفة، مبرزا خلفياتها المتراكبة، محللا مستوياتها المتداخلة، والتي تجعلها تمظهرا للصراع بين التوجهين الثوري والاصلاحي داخل حزب الشعب، وإن طفت إلى السطح من خلال الطرح الهوياتي، وختم الفصل بتشريح عملية انتقال قيادة التيار الاستقلالي في منطقة القبائل إلى جماعة الثائرين المحتمين بالجبال، وتراجع دور قدماء المنظمة الخاصة بالمنطقة في سياق الأزمة المذكورة.

الباب الثاني: الولاية الثالثة بين الخريطة والأرض:

يبحث الدكتور سعداوي في هذا الباب التنظيم الإقليمي للولاية الثالثة من منظورات متعددة، تتأرجح بين الواقع الجغرافي والرواسب السوسيولوجية والمتغيرات التاريخية، تضمن ثلاثة فصول: الأول بعنوان: الولادة القيصرية ومتلازمة التمدُّد، عمل على إلقاء أنوار كاشفة على الولادة غير العادية لهذه الوحدة الإقليمية، وما نشأ عن ذلك من تداعيات، أخطرها الظاهرة التي سماها: “متلازمة التمدد”، إذ حللّ الخلفيات التي شكّلت الولاية الثالثة والدوافع التي جعلتها توجِّه أنظارها ضمن الفعل الثوري إلى مجالات أخرى، واجتهد في الفصل الثاني الموسوم بــ: تشريح البنية الإقليمية؛ إلى دراسة التقسيمات الداخلية للولاية، ومحاولة إيضاح خصوصيات كل منطقة على مستوى المجال والتوزيع السكاني والاحتكاك بالاستيطان، بينما رام الفصلُ الثالث الذي عنونه بـ: البنية الإقليمية تحكي المجتمع؛ استكناهَ الدلالات الجغرافية ثم السوسيولوجية والأنثروبولوجية التي تختفي وراء الهيكلية الإقليمية المعنيّة، والتي تحمل دلالاتها الخاصة التي لا تتوافق مطلقا مع كل التقسيمات الإدارية التي انتهجها الاستعمار، وتختلف عن التقسيم الأول الذي اعتمد مع انطلاق الثورة والذي كان يحاكي تقسيمات حزب الشعب.

الباب الثالث: هندسة القيادة:

عنون الدكتور مصطفى سعداوي الباب الثالث من دراسته: هندسة القيادة، وهو  في أداته التحليلية المركزية يؤسس لربط القضايا التي يعالجها بالعمق الاجتماعي في الولاية، إذ نقّب عن القوى العميقة المتحكِّمة في هندسة الهرم القيادي، وقد ضمّ هذا الباب ثلاثة فصول؛ ركز الفصل الأول الموسوم بـ: بنية القيادة وديناميكية المجتمع؛ على فاعلية الموروث القروي، وعرض لطبيعة العلاقة بين القيادات داخل الولاية، والتي قدَّمها كتوليفة بين المركزية واللامركزية، مبرزا التحولات التي طرأت من مرحلة لأخرى لطبيعة مسار الثورة ذاته، ويستحضر  بعض الخصوصيات التنظيمية مثل إنشاء مصلحة الأوقاف، ثم خصص عنصرا لتضخم الجهاز الإداري كنتيجة لمقررات مؤتمر الصومام وتأثيره على بنية القيادة، وكان الفصل الثاني من أهم فصول هذا العمل الذي أبدع فيه الدكتور سعداوي بدقة الملاحظة والقدرة الفائقة على تحليل الوقائع وقراءة مآلاتها، وعنونه: أمانة الولاية وطوفان الورق، ثورة داخل الثورة؛ واستحضر ظاهرة البيروقراطية المتجلية -أساسا- في أمانات مراكز القيادة التي ظلت تعمل بصورة ناعمة على إعادة تشكيل البنيان الثقافي العميق للمنطقة، وعالج فيه الخلفية الاجتماعية والثقافية لفئة الكتّاب، واكتسابهم بشكل سريع نفوذا سريعا على مستوى مراكز القيادة، وفاعلية الأدوار التي كانوا يقومون بها، في ظل أهمية وظيفتهم.

أما الفصل الثالث فسعى إلى تجسير الهوة بين فاعلية العمق الاجتماعي وفاعلية الأفراد والمواقع الجديدة داخل تنظيم الثورة، وقرأ العلاقة بين القرية والمدينة، والسهل والجبل، والفئات العمرية (الأجيال)، والخلفية الاجتماعية والثقافية والنضالية في تشكيل القيادات بمختلف أدوارها، ثم  عاد إلى الأفراد ليبحث تأثيرهم حسب مواقعهم والشبكات التي تشكلت بهم ومن حولهم.

الباب الرابع: القرى في قلب المعركة:

يتشكل الباب الرابع من أربعة فصول، عنون الدكتور سعداوي الفصل الأول: ليلة أول نوفمبر 1954 في المنطقة الثالثة: الأسطورة والواقع؛ مبينا أن أهمية هذه الليلة حدثيّا في منطقة القبائل (كما في غيرها) لا تكمن في ذاتها، وإنما في بعديتها، فهي لم تكن حدثا متميزا بالنظر إلى حيثياتها المحتشمة – والتي قدم المؤلف رصدا بمختلف العمليات التي وقعت بها، معرِّفا بقياداتها ومبرزا شموليتها الجغرافية- ولكن باعتبار قيمتها الاشعاعية وأصدائها الممتدة.

ناقش في هذا الفصل أزمة 1949 داخل حزب الشعب، واختار  لفهمها مقاربة مختلفة، مبرزا خلفياتها المتراكبة، محللا مستوياتها المتداخلة، والتي تجعلها تمظهرا للصراع بين التوجهين الثوري والاصلاحي داخل حزب الشعب، وإن طفت إلى السطح من خلال الطرح الهوياتي، وختم الفصل بتشريح عملية انتقال قيادة التيار الاستقلالي في منطقة القبائل إلى جماعة الثائرين المحتمين بالجبال، وتراجع دور قدماء المنظمة الخاصة بالمنطقة في سياق الأزمة المذكورة.

وقد أوضح المؤلف أن قيادة المنطقة نجحت في تعبئة مناضلي حزب الشعب بطريقة أفلحت فيها في تجنيد أكبر عدد لأجل هذه الانطلاقة.

وفي الفصل الثاني المعنون: انتشار مثير للحيرة، أبرز مسارات التوسع السريع في خريطة الانتشار واكتساب الجند والدعم للفعل الثوري، مستحضرا  دلائل الحسم الكامل في قطع روابط المجتمع الأهلي بالإدارة الاستعمارية، ثم الاستفادة من جرائم جيش الاحتلال ضد السكان لتوسيع التجنيد ومدّ شبكات الدعم والاسناد.

وقد عالج مسببات هذا النجاح في الفصل الثالث الموسوم: تعبئة القرى؛ إذ نكتشف عودة الريف إلى ممارسة الدور الطلائعي في عزيمة التحرر، ونفهم التواؤم التلقائي والعميق بين أساليب التعبئة والبنى الاجتماعية المحلية التي حقَّقت الانتشار السريع، ووعي القيادات المحلية بطرق العمل المتناغمة مع البنية الاجتماعية والخلفية الثقافية، وهو  ما أهَّلها للانتصار على الحركة المصالية، وفي الوقت نفسه يناقش الدكتور سعداوي آراء أخرى تبنت تفسيرات متحاملة أو مجتزئة.

وقد كشف في الفصل الرابع والأخير الذي جاء تحت عنوان: نواة الدولة: أو نظام الثورة على مستوى القرية؛ تداخل الثورة مع نسيج حياة القرويين بالولاية الثالثة خيطا خيطا، إذ سيحدث تحول/ انتقال من البنى الاجتماعية التقليدية إلى البنى التنظيمية الثورية، والقطع مع المنظومة القضائية الفرنسية واسترجاع القرى استقلاليتها في تسيير شؤونها القضائية. وفي هذا السياق نكشف تفكيك الدكتور سعداوي لإحدى الأساطير الاستعمارية التي روَّجت لأسطورة التعارض بين العُرف والدين بمنطقة القبائل؛ مؤكدا أن هذه الأعراف في معظمها إن لم تكن نتاجا للإسلام فهي متأثرة به، لذلك لقي بعث القضاء الإسلامي ترحيبا كبيرا.

في هذا السياق نكشف تفكيك الدكتور سعداوي لإحدى الأساطير الاستعمارية التي روَّجت لأسطورة التعارض بين العُرف والدين بمنطقة القبائل؛ مؤكدا أن هذه الأعراف في معظمها إن لم تكن نتاجا للإسلام فهي متأثرة به، لذلك لقي بعث القضاء الإسلامي ترحيبا كبيرا.

وسيقدم سعداوي أخيرا تشريحا عميقا للعوامل التي تسببت في تحولات مجتمعية فاصلة بالمنطقة، مسّت عمق الوضع الاجتماعي، ملاحظا التحول من الشيفرة الدينية إلى أثر طوفان الورق والفئات الحضرية التي انتقلت لها القيادة، ثم السياسات الاستعمارية الوحشية وأصناف التعذيب والتنكيل، ليختم هذه الدراسة المميزة بخاتمة تضمّنت أهم النتائج التي خلُص إليها.

كتابٌ ماتع، عميق، مميز، يعدُّ من أفضل ما سطرته الأقلام الجزائرية حول تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية المظفرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!