-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حديث في المرجعية الدينية..

التهامي مجوري
  • 3891
  • 0
حديث في المرجعية الدينية..

في البيان الصادر عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، الذي أمر فيه وزيرها بفتح تحقيق خاص متعلقة بالإهانة –المفترضة- التي تعرض لها الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، كانت قد تداولتها وسائل الإعلام الأسبوع الماضي…، ومن بين ما جاء في هذا البيان: “وسوف تتخذ الإجراءات العقابية التي تنص عليها قوانين الجمهورية ضد كل من تورط في هذه القضية… بالنظر إلى الضرر الذي لحق بالمرجعية الدينية الوطنية ومصداقيتها بعد هذا التصرف العاري من الأخلاق”.

وما لفت انتباهي في هذا البيان عبارة في تقديري تحتاج إلى وقفة، وهي: “الضرر الذي لحق بالمرجعية الدينية”، فلا ندري مَنْ المقصود بالمرجعية الدينية، أهي وزارة الشؤون الدينية والأوقاف؟ بوصفها الإدارة الوصية على القطاع الديني؟ أم الشيخ الطاهر آيت علجت؟ الذي هو مرجع بالقوة وبالفعل، قد فرضه الالتفاف الشعبي حوله.

أما الحادثة في ذاتها فلا نلمس من البيان، نفيا لها ولا إثباتا، وإنما تلويح بمعاقبة الكاذبين؛ لأن القصة متعلقة بالشيخ الطاهر آيت علجت، الذي كان متطوعا في نشاطه المسجدي ولما راسل الإدارة باعتذاره عن مواصلة النشاط لأسباب صحية، اتخذت الإدارة الوصية الإجراء الإداري العادي وقطعت عنه منحة كانت تمنحها له، كما هو جار مع الأئمة المتطوعين. وغالب الظن أن الإجراء المفترض تم على مستوى المديرية لولاية العاصمة، وليس على مستوى الوزارة.

وللناس في ذلك قراءات، منهم من يرى أن هذا الفعل إهانة للعلماء، لا سيما إذا كانوا من وزن الشيخ الطاهر أيت علجت..، ومنهم من رأى أن تسريب الخبر والتعليق عليه مقصود به رأس الوزير..، ومنهم من رأى هذا الإجراء إداري عادي، إذا لم يفعله المسؤول يحاسب عليه؛ لأنه مسؤول في إدارة وليس شيخ زاوية…، أما وزير الشؤون الدينية، فقد اختار لتسجيل موقفه في الموضوع طريقا آخرا، وهو القفز على الموضوع بفتح تحقيق خاص “لمعاقبة الكاذب المتسبب في الإضرار بالمرجعية الدينية”، من غير أن نعرف أين هي المرجعية الدينية؟ لأن الجزائر لم تعرف مرجعية دينية تقر بها السلطة ويعترف بها الشعب.

إن الجزائر لم تر مرجعية دينية جادة في مسيرتها بعد الاستقلال، إلا من خلال الإقتداء الشعبي ببعض العلماء والدعاة من بقايا جمعية العلماء، وشيوخ الزوايا المنتشرة في الوطن؛ لأن السلطة السياسية في الجزائر، لم تكن جادة في تأطير الشأن الديني، بما يستجيب لتطلعات المجتمع الدينية، إلا من خلال مؤسسات تابعة لرئاسة الدولة، أو إدارة تقنية سميت وزارة أو مديرية؛ بل إن هذه الوزارة بمديرياتها لم تكن مقررة في أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال، في حكومة بن بلة، وإنما الذي أوجدها هو “القدر”، حيث وُعِدَ شخصان من المسؤولين يومها بوزارة التربية، أي وعد كل واحد منهما على حدة بأنه سيكون وزيرا للتربية في هذه الحكومة، والموعودان هما: عبد الرحمن بن حميدة، وأحمد توفيق المدني، ولما تورط القوم بهذه الوعود، أحدثوا هذه الوزارة وهي وزارة الأوقاف وأسندت للأستاذ أحمد توفيق المدني، كما أسندت وزارة التربية إلى الأستاذ عبد الرحمن بن حميدة..[المعلومة للأستاذ رابح بيطاط رحمه الله، الذي كان نائب رئيس المجلس الوطني يومها، وهي منشورة في حوار أجرته معه جريدة المساء سنة 1989 أو سنة 1990].

ورغم أن هذه الوزارة التي أنشئت على غير نية مسبقة، في نظام شاء أن يكون علمانيا صرفا، فإن محاولات في فترات متقطعة، أرادت أن يكون لها دور فعال في الواقع الاجتماعي، من خلال اعتلاء المنبر الخطباء الأحرار من الإطارات الجامعية من أبناء الحركة الإسلامية، أما الغالب العام على المساجد أنها كانت وظائف أدارية تمثل السلطة أكثر منها ممثلة لدور المرجعية الدينية.. فقد كانت المنابر المسجدية دعائية لخيارات السلطة لا سيما سنوات الخيار الاشتراكي. والمساجد نفسها إذا كان اليوم عدد المساجد 15 ألف مسجد، فإن 80 بالمائة منها بناها الشعب، ابتداء حيازة قطعة الأرض إلى نهاية البناء، وعندما ينتهي البناء، ترسل الوزارة الإمام وغيره من القائمين، وفي بعض الأحيان، ترسل الإمام فقط “ليحمي المسجد” أما باقي الموظفين فعلى عاتق المحسنين. وقد شعرت السلطة بخطورة هذه المبادرات الشعبية، فأوحي للرئيس الشاذلي رحمه الله بذلك في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حتى أنه قال في خطاب رسمي مخاطبا الولاة، لا تعطوا الرخص لبناء المساجد حتى لا تكون “اوكارا للخباثى”، على حد قوله.

لا شك ان هناك جهود بذلت من داخل إدارة الشؤون الدينية، من أجل الارتقاء بالمسجد وبالوظيفة الدينية في المجتمع، ولكنها عجزت عن ذلك بسبب التوغل العلماني اللائكي وغلبته في السلطة، ولا أدل على ذلك من إلغاء نظام التعليم الأصلي والشؤون الدينية سنة 1976 بحجة توحيد التعليم، الذي كان يمتص الأعداد الهائلة من المتسربين من مدارس التربية والتعليم، حيث كان هذا النظام التعليمي، يعلم التلاميذ التعليم العام ويضيف له المواد الشرعية، وكذلك تعطيل ملتقى الفكر الإسلامي، الذي كان له الفضل في تنوير العالم الإسلامي، إذ تجاوز إشعاعه الجزائر ليعم العالم الإسلامي كله، فقد حكى لي الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، أنه عندما يعود من الملتقى بالجزائر إلى السعودية، قال لي كنا نفخر على مسؤولينا بما تفعل الجزائر بذلك الملتقى، وبنجاحاته المبهرة للعالم. فهذه الوزارة التي سميت بوزارة الأوقاف، ثم وزارة الشؤون الدينية، ثم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، لا تمثل مرجعية إلا في الأشكال، في تنظيم الحج والمواقيت والإعلان عن نصاب الزكاة، اما في ما عدا ذلك فهي إدارة ضمن منظومة ثقافية لا تعترف بالدين إلا بكونه علاقة شخصية بين العبد وربه، ولذلك لم تكن محل ثقة من قبل الشعب، إلا في فترات قصيرة جدا وهي الفترات التي كان الوزير فيها، الشيخ عبد الرحمن شيبان، وبوعلام باقي، حيث ألحقت بالوزارة الكثير من الإطارات الدعوية المعروفة في الساحة.

اما المرجعية الحقيقية التي أهملتها الإدارة، وهي الإمامة الكفأة الصادقة الملتحمة بالجماهير، فلم تظهر رسميا، إنما برزت تلقائيا في شكل شخصيات معارضة للنظام السياسي، أكثر منها مرجعيات دينية، مثل الشيخ مصباح حويذق وعمر العرباوي وأحمد سحنون وعبد اللطيف سلطاني، هذه الشخصيات ظهرت في بداياتها مع جيل الاستقلال كشخصيات معارضة للنظام السياسي، ولكنها على مر الأيام تعلق بها الشعب كمرجعيات دينية تعود إليها الجماهير والقيادات السياسية والدعوية في القضايا المصيرية للأمة، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الشيخ سحنون رحمه الله ومن حوله من الدعاة يفكرون في إنشاء رابطة الدعوة الإسلامية لتكون المرجع الديني للجزائريين في القضايا المصيرية..

ولكن بعد موت هذه المرجعيات المصطفاة تلقائيا، لم نر بدائل بنفس الوزن والثقل العلمي والأخلاقي الذي كان عليه أولئك.. فلا السلطة اهتمت بالموضوع اهتماما جادا، وهي مطالبة بذلك لأن المجتمع الجزائري اليوم، مخترق من طرف أكثر من جهة –الشيعة، الأحمدية، الوهابية، التنصير، عبدة الشيطان…إلخ-؛ بل إن سلطاتنا لا تزال متخلفة عن سائر دول العالم الإسلامي، حيث لا تزال إلى اليوم لم تحسم في قضية المفتي او إدارة إفتاء، وإنما زالت ترقع بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والمجلس الإسلامي الأعلى وتنشيط الزوايا، وكأننا في بداية الاستقلال، اما على المستوى الجماهيري، فهناك إطارات شابة صاعدة، ولكنها لم تجد محاضن تهتم بها لصقلها وإعدادها مرجعيات قيادية دينية، تكون محج الجماهير فيما يفيدها في دينها ودنياها، وتعتمدها السلطة كقوى علمية شرعية تباهي بها الأمم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • كلام في التاريخ

    وين قريت التاريخ يا وحد الجايح؟؟
    ههه الصوفية هي من حررت الوطن هههه
    عندك حق تغييب العقول في هذه البلاد أفرز أمثالك من السذج

  • بن ثامر عمر

    المذاهب مثلها مثل البضائع من المفروض ان تخضع للعرض والطلب لكن لان هناك من يشك فى بضاعته فهو يريد ان يعرض سلعته بقوة القانون السلفية والاخوان صنعة بريطانية يعرفها كل مطلع على التاريخ وجمعية العلماء ليست احسن حال والصوفية هى من حررت الوطن وهى من دوخت فرنسا على مدار المائة عام الاول وكانت وحيدة فى الميدان قبل ان تنشأ لها فرنسا جمعية ضرار

  • العربي

    المرجعية التي تريدها السياسة الحاكمة الجزائرية هي التي تقول:
    + وجوب طاعة الرئيس وإن اخذ مالك ..
    + الاحزاب والمظاهرات والديمقراطية بدع من عمل الشيطان
    + الابتعاد عن السياسة والانتخابات
    + الدعاء للرئيس ان يطول عمره ويكثر ماله
    + عدم الخوض والتكلم في كشف المسؤولين
    + هذه اهم نقاط المرجعية سمها كما شئت وطنية وهابية سلفية المهم ان يبقى الحاكم حاكما لاينازعه احد.........

  • محمد المهدي

    السلام عليكم , المرجعية في كلام الوزير مجمل يبينه كلامه في غير ما مناسبة أنها المذهب المالكي في الفروع ، و أنا كإمام و قبل ذلم متابع للشأن الديني و أنتقد من النظام زلاته, ارى من الجور رمي الوزير بأنه يروج في العقيدة لمرجعية أ أو ب , و بحكم تجربتي الدعوية و الان مع الإمامة أرى أن من عمل من داخل وزارة ش الدينية أو من خارجها محك اختباره الإخلاص ثم البصيرة مع العلم بالشرع و الواقع و عدم النقد للنقد,أما مودة التصنيف التي لم ينج من منخلها أحد فما هي الا هدم للدين واجتماع الأمة عليه و تعلقها به.

  • هواري

    سلام
    اما بعد, ماذا تقصد بالوهابية, اليس الصوفية هي التي تدعوا الى الشرك.
    بل الصوفية خطر على الجزائر
    ان شئت احشرها مع الشيعة، الأحمدية، التنصير، عبدة الشيطان...إلخ

  • يا سي مجوري

    (..الشيعة،...عبدة الشيطان..إلخ) أرى أنك غَيَّبتَ الصوفية التي حاربها مؤسسوا جمعية العلماء يا مجوري وأنت تتغنى بمقالاتهم.
    أرى أنّك وضعت الوهابية في الوسط مع أنها هي المقصودة بالحديث، عندما يزعم المتصوفة والإخوان المتمكنين من الوزارة المعنية ومن جمعية العلماء الحالية، الدفاع عما يسمى (المرجعية الوطنية) في كل مقام أو مقال فهم يتبعونها بعبارات مثل الحماية من المرجعيات الدخيلة كاشيعة والوهابية. وما أوردوا "الشيعة" هنا إلاّ كشماعة حتى لا يُنكشوا وجها لوجه أمام الجزائريين الكارهين للتشيع بالفطرة.

  • ملاحظ

    لعل الوزير يقصد بالمرجعية الدينية عقيدة الشيخ الاشعرية ومذهبه الفقهي المالكي اما طريقة الجنيد فلا اظن انها طريقة الشيخ والله اعلم....كما ان الشيخ الطاهر ملتزم بالفنوى باخراج زكاة الفطر نقدا لاطعاما
    ورغم مخافلة ذلك المذهب المعتمد عير انه جرى بها العمل
    ومفهوم المرجعية عند الوزارة اتباع ماتقرره السلطة التي تمثلها في هذا الاطار وزارة الدين
    فالحترام المرجعية ليس بالضرورة اتباع المذهب المالكي
    والله اعلم