-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ذنوبنا أقعدتنا عن نصرتهم

سلطان بركاني
  • 496
  • 1
ذنوبنا أقعدتنا عن نصرتهم

في خضمّ الجدل المثار منذ أشهر حول تحديد من يتحمّل مسؤولية المآسي المروّعة التي يعيشها إخواننا في قطاع غزّة، بين من يحمّل حكّام الأمّة المسؤولية كاملة، خاصّة حكّام الدول التي ساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في حصار سكّان القطاع وحكام تلك الدول التي لها علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان المحتل. وبين من يعفي الحكّام من كلّ مسؤولية ويلقي بالتبعة على الشعوب المسلمة التي بعدت عن دينها وأضاعت الصلوات واتبعت الشّهوات.. في خضمّ هذا الجدل ظهرت أصوات واعية لدعاة عُرفوا باعتدالهم وإنصافهم تؤكّد بكلّ وضوح أنّ هذا الجدل لا معنى له، لأنّ نصوص الشّرع ودلائل الواقع تشير بوضوح إلى أنّ المسؤولية مشتركة بين الحكّام والمحكومين.
مسؤولية الحكّام في حرب الإبادة والتجويع التي طالت إخواننا في غزّة واضحة وضوح الشّمس في رابعة النّهار، لا ينكرها إلا من باع دينه أو عطّل عقله وحسّه، كيف لا والعدوّ الصهيونيّ نفسه أكّد في أكثر من مناسبة أنّ كثيرا من حكّام الأمّة المسلمة يؤيّدونه في حربه، بل ويتمنّون استمرارها حتى القضاء على آخر عنصر في “حماس”! بل قد دلّت الشّواهد الموثّقة أنّ هناك من حكّام الأمّة من يشارك عن سبق إصرار في تجويع سكّان القطاع!
لكنّ هذه المسؤولية التي يتحمّلها الحكّام لا تعفي الشّعوب والأفراد من تحمّل قسطها من المسؤولية.. والتعلّلُ بعدم قدرة المسلمين على تقديم يد العون لإخوانهم بسبب القيود والحدود، ليس عذرا يسقط المسؤولية عن كاهل كلّ مسلم ويعفيه من السّؤال بين يدي الله.. لأنّ عدم القدرة قد يكون عذرا، وقد يكون عقوبة! كيف ذلك:
خير جيل من هذه الأمة، حينما تولّى بعضهم في غزوة أحد، خاطبهم المولى -سبحانه- بقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)) (آل عمران: 155)؛ أي إنّ تولّيهم هو بسبب بعض ما اجترحوه من ذنوب.. هذا في حقّ خير جيل من هذه الأمّة؛ فكيف بجيل ربّما يكون أسوأ أجيال الأمّة المسلمة؟!
الحقيقة التي ينبغي أن تترسّخ في أذهاننا هي أنّ العجز عن نصرة الحقّ وأهله، أو لنقل: الحرمان من نصرة الحقّ وأهله، قد يكون حصادا للذّنوب المتراكمة؛ فالمعاصي تعيق المقيم عليها وتؤخره في الأوقات التي يحتاج فيها إلى قلب قوي يحرّكه وأبواب مفتّحة يدخل منها.. لذلك بيّن الله -سبحانه- في موطن آخر من كتابه أنّ المنافقين الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك إنّما أركسوا في ذلك لأنّ الله عاقبهم بنفاقهم فثبطهم وأقعدهم عن أن ينالوا شرف نصرة الحقّ وأهله: ((وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِين)).. وإذا كان من يصرّ على التأخر عن الصفوف الأولى في الصلاة، ولا يبدي أيّ حرص عليها، يؤخَّر عن أعمال خيرٍ وبرّ أخرى، كما قال النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: «لا يزالُ قومٌ يتأخرونَ حتَّى يُؤخِّرَهم اللهُ عزَّ وجلَّ»؛ فكيف بمن يضيّع الصلاة ويتبع الشهوات؟!
نصرة الحقّ في زمن الفتن، شرف لا يمنحه الله لمن لم ينصر الله في نفسه، ووالله لو رأى الله من قلوبنا وأحوالنا ما يحبّ، لفتح لنا من أبواب النّصرة ما يبلغنا الشّرف، ولكنّ ذنوبنا ومعاصينا وغفلتنا هي ما حال بيننا وبين أن يكون لنا موضع سوط في ساحة الرباط.. قلوبنا أَسرتها الدّنيا، ونفوسنا استولت عليها الشّهوات، وألسنتنا أخرست عن إنكار المنكرات التي تملأ شوارعنا وتعجّ بها بيوتنا، وأموالنا اختلط فيها الحرام بالحلال، وأبناؤنا ما عاد يشغلهم في هذه الدّنيا غير ما تحمله مواقع التواصل الاجتماعي من زبد وغثاء… ثمّ بعد ذلك كلّه نتحسّر أنّنا لا نستطيع نصرة إخواننا.. يُروى أنّ رجلا قال للحسن البصريّ -رحمه الله-: يا أبا سعيد؛ إنِّي أَبيتُ معافى، وأحبُّ قيامَ الليل، وأُعدُّ طهوري؛ فما لي لا أقوم؟ فقال: “ذنوبُك قَيَّدَتْك”.. والذّنوب كما تقيّد عن قيام الليل، تقيّد كذلك عن نصرة الإسلام والمسلمين.
إنّه لن ينفعنا عند الله أن نظلّ مصرّين على أنّ المسؤولية وِحدة لا تتجزّأ، فإمّا أن يتحمّلها الحكّام أو تتحمّلها الشّعوب، حتى نرد القيامة ونحن نحمل معنا هذه الحجة الدّاحضة، فنجد الجواب الذي لن نملك له ردا، يقول الله تعالى: ((حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُون)) (الأعراف: 38).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • قل الحق

    فكيف بجيل ربّما يكون أسوأ أجيال الأمّة المسلمة؟! لخصت كل شيئ جزاك الله خيرا، نحن في غالبيتنا كذلك الا من رحم الله، رغم تملق بعضنا و انتهاجه سياسة النعامة.