-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضان مدرسة لتربية النفوس وتزكيتها

خير الدين هني
  • 171
  • 0
رمضان مدرسة لتربية النفوس وتزكيتها

التربية والتزكية لهما مفاهيم عامة، تشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية، ولا تقتصر مفاهيمها على جوانب معينة من دون الجوانب الأخرى، لذلك اعتبر الإسلام التربية بأنها عملية متكاملة، وأنها تمثل الحياة نفسها وليست وسيلة للحياة، كما نقل عن ذلك علماء الغرب ونسبوه إلى أنفسهم ومدارسهم، من غير إحالة إلى المصادر الإسلامية التي اقتبسوا منها هذه الأفكار، حين كانوا يترجمون وينقلون العلوم والفنون والفلسفة من مدارس الأندلس ومعاهدها وجامعاتها.
اعتبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- التربية والأخلاق والآداب، جوهر العقيدة الإسلامية وعمود الدين الذي يقوم عليه أمر الدنيا والآخرة، لأن استقامة الفرد المسلم تقوم على تلقي التربية الصحيحة، التي تنمي العقل وتُرقِّق الوجدان وتهذّب السلوك وتنظّم الغرائز، فتجعلها قائمة على محور التوازن في المراعاة والإشباع، بحيث لا تطغى غرائز الشر والعدوان والزيغ والهوى، على نوازع الخير والبرّ والإحسان في النفس الإنسانية، إن آمنت بالله والتزمت بأوامره ونواهيه العلوية.
وجعل النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، الاستقامة في الدين والخلق، هي أصل الدين ومقاصده المثالية، فقد رُوي عنه -صلّى الله عليه وسلّم-، في صحيح مسلم، أنه قال لأبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفي حين سأله عن عمل لا يسأل عنه بعده أبدا، وأن هذا العمل يجمع فيه بين خير الدنيا والآخرة، فقال: “قلْ آمَنْتُ باللهِ ثَمَّ اسْتَقِمْ”، والتوجيه النبوي لهذا الصحابي، كان يركّز على وجوب الاستقامة في الإيمان والأخلاق، إذ جعل -صلّى الله عليه وسلّم- الاستقامة ذات حدين تجمعان بين خالص الإيمان المصحوب بالعبادة والالتزام بقواعد الشريعة وضوابطها، ثم الالتزام بحسن التربية وتهذيب السلوك، وعادة أن سلوك الفرد لا يستقيم إلا إذا تلقى تربية صحيحة، ودرّب نفسه بالمغالبة على تطابق مخبره مع مظهره، في الإيمان والصدق والإخلاص والوفاء والأمانة.
أما إن ترك النفس تنزع نحو إشباع هواها، ولم يمرّنها على تغليب جوانب الخير فيها على مكامن الشر، فسيتعارض سلوكه الخارجي مع نوازعه الداخلية، لأن الشيطان يجري في دم الإنسان من أجل غوايته وتغليب غرائز الشر فيه، ولذلك نرى في كثير من الأحوال من هم في مقام الأسوة والقدوة، يقولون ما لا يفعلون، وهذا ما جاءت الآية (44)، من سورة البقرة، لتشنّع به أعمال اليهود الذين كانوا يقرأون الكتاب ويخالفون ما فيه، والمعنى يؤخذ ممّا يفيد عموم المعنى وليس ممّا يفيد خصوص المناسبة، قال تعالى: “أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ”. وقال -جل ثناؤه- أيضا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)) (الصف:3،2). قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: “إن عقوبة الذين يأمرونَ بالمعروف وينهون عن المنكر وخالف قولَه فعلُه شديدة عند الله”.
ولهذا كانت الاستقامة المطلوبة شرعا، لا تؤخذ إلا من القدوة والأسوة حينما يلتزم بهما الوالدان والشيوخ والمربون ومن لهم دور في التربية والتوجيه والتهذيب، ولا يكون لها ذكر طيب إلا حينما تتطابق أفعالهم مع أقوالهم، وهذه هي التربية المثالية التي تترك أثرا على عقول الناس وسلوكهم. أما التربية القولية المخالفة للفعل، فلا تترك في النفوس إلا السخط والتذمّر والإعراض.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!