-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عودة الإبراهيمي.. بداية مرحلة أم نهاية أخرى؟

التهامي مجوري
  • 3644
  • 0
عودة الإبراهيمي..  بداية مرحلة أم نهاية أخرى؟

عاد الوزير الأول الأسبق الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي إلى الوطن بعد غربة دامت ربع قرن، وضعت هذه العودة حدا لجدل طويل عريض بينه وبين خصومه في السلطة، حول عودته، لا سيما بعد سنة 1999، حيث قررت السلطة الجنوح إلى المعالجة السياسية واستبعاد الحل الأمني لأزمة التسعينيات، ورغم إلحاح الرجل على العودة وكثافة الوسائط التي استعملها من أجل العودة، إلا أن السلطة أو طرفا فيها على الأقل، بقيت متعنتة، لموقف مسبق منه، وليس لمجرد موقف سياسي أمكن تجاوزه.

إن عودة الإبراهيمي كمواطن عادي او كسياسي معارض، من حيث المبدأ هي عودة مواطن جزائري إلى بلاده بعد انتفاء موانع دخوله للبلاد، مثلما وقع لمناضلي الفيس المحظور وقياداته، رابح كبير وأحمد الزاوي وغيرهما، ولكن من جانب آخر فإن الإبراهيمي كمجاهد ومسؤول سابق في الدولة الجزائرية، كان لمواقفه السياسية من النظام، ما لم يكن لغيره من مناضلي الفيس وقياداته، الذين عارضوا السلطة التي ألغت الانتخابات التي رشحتهم لقيادة البلاد، اما الإبراهيمي فقد عارض الإجراء، ولكن أضاف معه اتهامات صريحة لجهة معينة وأشخاص معينين بأسمائهم، في كتابه المعروف الذي ألفه قبل سنوات، وهو “أصل الأزمة الجزائرية”، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، تعرف هذه الجهة في الجزائر  بـ”حزب فرانسا”، أو الفارين من الجيش الفرنسي، فيرى الدكتور الابراهيمي أن هؤلاء هم الذين كانوا وراء الانقلاب على الشاذلي بن جديد، وعلى الأحزاب الفائزة بالانتخابات التشريعية لسنة 1991/1992، وهي الجبهات الثلاث: جبهة التحرير، وجبهة القوى الاشتراكية، والجبهة الإسلامية للإنقاذ، ولم يقف صاحب الكتاب عند اتهام هذه الفئة بالانقلاب، وإنما تجاوز ذلك إلى وصفها بالتكتل داخل السلطة الذي يعمل على التمكن منها، منذ نهايات الثورة 1957/1961 أي ما قبل الاستقلال، ولم يخف الإبراهيمي، ان قبولهم في صفوف جيش التحرير كان محل خلاف وجدل كبيرين بين المجاهدين، ولكن الغلبة كانت لقبولهم في صفوف الجيش بحجة الاستفادة من خبرتهم فألحقوا به..، اما الإبراهيمي فقد رأى ان هذه الفئة هي التي ستشرف على صيغة الاستعمار الجديد، التي ستمكن للاستعمار بعد التخلص منه ومن صيغته القديمة، فعملوا بمؤسسات الدولة وارتقوا شيئا فشيئا على حد تعبير صاحب الكتاب إلى أن جاءت الفرصة الذهبية وهي سنة 1992 لتتمكن المجموعة من سلطة القرار، ففعلت ما تؤمن به، وهو إقناع الجيش وطرف في الطبقة السياسية بفعل ما قامت به، وهو الانقلاب على الانتخابات الشرعية، لتدخل البلاد في نفق مظلم، لا نهاية له.

ولجماعات السلطة عن صاحب الكتاب أمور أخرى، وهي انه واحد من المقربين من الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله، وكل من له موقف من الشاذلي سلبي أو إيجابي ينسحب، ينسحب تلقائيا على الرجل، وكل من له رأي في سياسة الشاذلي فللإبراهيمي ضلع فيها أو هكذا يتصورون وتبنى مواقفهم، باعتباره كان وزيرا للتخطيط ووزيرا أولا..، كما أن له تصريح قوي آخر وهو قضية الـ26 مليار، وهذا التصريح وهذا الرقم في بداية تسعينيات القرن الماضي، يعتبر قنبلة قوية، في شكلها وفي مضمونها،  حيث لم يكن مثل هذا التصريح معهودا يومها، سواء في إطلاق تهم الاختلاسات والفساد على رجال السلطة، أو في حجمها وهو رقم كبير جدا.. 26 مليار.

هذه الأمور وغيرها تميز الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي، عن غيره من المعارضين، فكل المعارضين كانوا يعارضون واقعا سياسيا غير سوي، أما الإبراهيمي وبعد ضباط الجيش والمخابرات من الذين غادروا البلاد أيام الأزمة، فكانوا يعارضون ويبنون معارضاتهم على واقع في السلطة، وصراعات بين عصبها، ولا يترددون في اتهام أشخاص معينين، بأسمائهم ووظائفهم.

وهذا يقتضي منا التساؤل حول التغيرات الحاصلة ولا يراها الناس، أو التغيرات المحتملة في السلطة أو في الدكتور الإبراهيمي نفسه، لا سيما وان أطرافا إعلامية، وأحاديث في الكواليس، ربطت بين عودته وما يقع في البلاد من معارك بين أطراف يتهمها هو بتهم ثقيلة وخصومهم، وبكل الأمور المتعلقة به منذ كان وزيرا للتخطيط ووزيرا أولا..، وإقالته بعد أحداث أكتوبر وتعيير قاصدي مرباح رحمه الله مكانه..،  فمن الناس من عاد إلى أزمة 1986، و1988، وإلى صراعات له مع العربي بلخير ومولود حمروش وغيرهما، ومنهم من وصفه بالعائد من منفاه الاختياري..، ليبنى على ذلك أنه عائد مكلف..، ومنهم من روج إلى أنه جاء ليحل الأزمة.. ومنهم من اعتبره صاحب تجربة جيء به ليساهم في تغليب كفة الميزان في معركة لم تقف عن السياسيين وإنما تجاوزتهم إلى العسكريين من الجيش والأجهزة الأمنية.

وانا في الحقيقة لست ممن يؤمن بتشخيص الأمور؛ لأن القضايا الاجتماعية السياسية –أزمات وحلول- ليست أشخاصا، وإنما هي قيم ونظم وأفكار، فالإصلاح والتغيير لن يكون بتغيير، وتغييب وإحضار، الأشخاص مهما كانت مستوياتهم، وإنما يكون ذلك بتغيُّر القيم والنظم والأفكار، وإنما عندما أرى رجلا مثل عبد الحميد الإبراهيمي يحرم من دخول بلاده منذ سنوات رغم الإلحاح والوسائط والمعارف، ويعاقب على مواقف سياسية، أو مواقف مبدئية يؤمن بها الكثير من المجاهدين، ويُتَّخَذ منه موقف في وقت تتصالح فيه السلطة مع كل الناس بمن فيهم من حملوا السلاح في وجهها لسنوات، لا يسعني إلا أن أتساءل، ما الذي تغير؟ هل السماح للإبراهيمي بالعودة بداية لعهد جديد قد صفى كل الحسابات العالقة منذ انفجار اكتوبر 1988، ولم يبق له إلا هذه الفئة من الناس، التي تشمل الإبراهيمي وزيتوت وسمراوي شوشان وغيرهم ممن عارضوا سلطة 1992/1999، وارتداداتها فيما بعد، وكانوا بداخلها، أم ان هناك تغيير فرضه الواقع الاقتصادي والسياسي، لم يعد يسمح للنظام بتوسيع قاعدة العداء أكثر مما هي عليه.

فعودة الإبراهيمي من المنفى المفروض عليه، بعد مواقفه الحادة المعروفة، والغضب السلطوي عليه، و”عودات” أخرى مفترضة، توحي بأن هناك تغير حاصل في دواليب السلطة، ولكن هذا التغير لم يفهم بعد أهو بداية لمرحلة جديدة؟ عبر عنها عمار سعداني في أحد تصريحاته بـ”تمدبن الحياة السياسية”، كما كانت تصريحات المسؤولين في بدايات التحول في أحداث أكتوبر 1988، أم هي نهاية مرحلة استثنائية أدخلت البلاد سنة 1992 في نفق مظلم، لم يكن فيها للعقل سلطة ولا دور ولا مكانة؟ أم هي مرحلة تحول حقيقية كانت بدايتها سنة 1988..، ولم تتمكن بسبب الأزمة التي أشعلها القوم، وها هي السلطة الآن تريد استئناف الحياة السياسية على قواعد ما قبل الأزمة.. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • بدون اسم

    المشكلة ليست من ضد من لأنه حتى منهجية الفيس و عقلية قادته لم تكن مستمدة من خصائص و مقومات الشعب الجزائري ذلك أنه و لحد هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه اللأسطر وازلنا نتخبط في مسألة الهوية بالرغم من أن هذه المسألة المجهرية و المفصلية قد تم الفصل فيها منذ انطلاق الثورة التحريرية المجيدة ببيان أول نوفمبر و حتى قبل هذا الحدث الهام بواسطة جمعية العلماء المسلمين:الإسلام ديننا و العربية لغتنا و الجزائر وطننا.و يبقى الباقي مجرد قتال عن الزعامة و حب الظهور.الإمضاء:الأستاذ حيلود عصام.الجزائر

  • ترامب

    هو ايضا كان لاجئا في بريطانيا التي تعتبر اول واكبر بلد قتل الاعراب وقسم بلدانهم
    ومازالت مع مساندت اسرائيل ضد عرب فلسطين الى يوم الدين
    السؤال المطروح
    كيف نسمي العرب المقيمين ببريطانيا علما انها *بريطانيا*مازالت مع اسرائيل ظالمة او مظلومة الا يستحي الاعراب الجزائريون المقيمين ببلد يكرههم ويقتل إخوانهم؟
    الجواب= القابلية والذل والجبن ووو
    ارجوا من عرب الجزائر ان يجيبونني ان كان لديهم جواب او يجيبني عرب البحرين او اليمن او..سؤال مطروح لكل العرب
    هو ليس مواطن جزائري عادي هو عربي بجنسية dz

  • franchise

    -1-لو فهمتم ما يجري في البلدان الاسلامية حاليا ,لتفهمتم تصرف السلطة في التسعينات ,لانه انذاك ,كنا حقا فئران تجارب لمخطط الدمار الذي نشاهده حولنا اليوم
    2-يجب مراجعة بعض الافكار حول الذين قاموا بالانقلاب على شرعية الفيس,و محاولة فهمه من باب ما حدث منذ"" الربيع العربي"
    3-يجب ايضا مراجعة بعض الافكار حول معارضة ما بعد 5اكتوبر 1988,,التي تشبه في سذاجتها و بساطة تفكيرها ,,المعارضة اليبية و السورية و غيرهم من النماذج التي نراها اليوم
    -4-حوار الابراهيمي مع الشروق,,مثال حي عن سذاجة ,و بساطة تفكير المعارضة

  • بدون اسم

    الايام بيننا
    هو من سيكون الرئيس بعد بوتفليقة