-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كربلاء حرة.. إيران برّة

حسين لقرع
  • 1046
  • 4
كربلاء حرة.. إيران برّة
ح.م

يشهد العراق منذ أول أكتوبر الماضي انتفاضة شعبية عارمة وغير مسبوقة، احتجاجا على تفاقم الفقر والبطالة، وسوء الخدمات العامّة وانعدامها أحيانا، وتفشِّي الفساد ونهب المال العام إلى درجة أنّ العراق بات يحتل كل سنة المرتبة الثالثة أو الرابعة على قائمة منظمة شفافية دولية للدول الأكثر فسادا في العالم!

كان بالإمكان احتواء انتفاضة العراقيين منذ البداية بوضع الحكومة خارطة طريق لتلبية مطالب المتظاهرين التي اعترفت بنفسها بشرعيتها، لكن الحكومة آثرت مجابهة المحتجِّين بالرصاص الحيّ وبقنابل غاز خارقةٍ للجماجم. وبالنتيجة، سقط أزيد من 300 قتيل و12 ألف جريح حسب الأرقام الرسمية، في حين تتحدّث مصادر مستقلة عن نحو ألف قتيل و20 ألف جريح، وكان ذلك دافعا كافيا للمحتجِّين للانتقال من رفع مطالب اجتماعية بحتة إلى المطالبة بإسقاط النظام برمّته، وكذا تخليص العراق من النفوذ الإيراني بعد أن تبيَّن أن الميليشيات الطائفية الموالية له شاركت في جرائم قتل المتظاهرين.

اللافت للانتباه في مظاهرات العراق أنها تمركزت في المحافظات الجنوبية وبغداد؛ أي أن الشيعة هم الذين ثاروا على النظام الشيعي الذي جاءت به دبَّاباتُ الاحتلال الأمريكي في سنة 2003. وطيلة 16 سنة، وعد حكامُ بغداد الجدد بالديمقراطية والحريات وتوفير رغد العيش للعراقيين، لكنهم أمعنوا في تفقيرهم ونهب أموالهم حتى عاد العراق الغنيُّ الذي يحقق نحو 70 مليار دولار من النفط سنويا، عقودا إلى الوراء، وتدهورت فيه الخدمات الأساسية كالكهرباء ومياه الشرب وشبكات الصرف الصحي والخدمات الصحية والتعليم… وبات يشبه أكثر بلدان إفريقيا وآسيا فقرا وبؤسا!

وعوض العمل على إصلاح الأوضاع، عمل النظامُ، لاسيما في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، على تكريس الطائفية، وتهميش السُّنة والأكراد، وتقديم المكوِّن الشيعي على الهوية الوطنية الجامعة، ما فاقم الإرهاب والاستقطابات الطائفية والعرقية بالبلاد، وكاد يقودها إلى التقسيم لولا لطف الله ويقظة العراقيين..

ومن المفارقة أن يثور الشيعة أنفسهم ضدّ هذا الحكم الذي تسيطر عليه الأحزاب الشيعية ويطالبوا بإسقاطه، وبإسقاط دستور بريمر، والتخلص من النفوذ الإيراني، وأن يهاجموا القنصلية الإيرانية في كربلاء ويرفعوا شعار “كربلاء حرة.. إيران برّة”، وهو تطوُّرٌ ذو دلالات كبرى؛ إذ يبدو أن العراقيين قد انتصروا أخيرا للهوية العراقية الجامعة على حساب مكوّناتهم الطائفية والعرقية، تماماً كما كان الأمر في عهد صدام حسين، وقرروا أن يستعيدوا وحدة نسيجهم الاجتماعي، وكذا قرارَهم الوطني السيّد وينهوا التبعية لإيران، ويفتحوا معها صفحة جديدة قائمة على العلاقات الندّية.. لذلك رأينا متظاهرين من محافظات سنِّية، وإن كان عددُهم قليلا، يهرعون إلى بغداد لنصرة انتفاضة إخوانهم الشيعة وقد أدركوا أن عراقا جديدا بصدد التشكّل ولا مجال لتضييع هذه الفرصة التاريخية.

اليوم يقف العراق على عتبة تاريخ جديد، لكن الطريق ليس مفروشا بالورود، والحَراك العراقي قد يدفع ثمنا غاليا قبل أن يحقق أهدافه.. وسيحاول أعداؤه جرّه إلى العنف لتكرار السيناريو السوري معه. لذلك، على المتظاهرين العراقيين الردّ على الرصاص الحيّ وقنابل الغاز الخارقة للجماجم بالمزيد من السلمية والثبات. والنصر صبرُ ساعة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • صالح/ الجزائر

    تابع)- بغداد ، كربلاء ومناطق أخرى من وسط وجنوب العراق ، حيث الغالبية من السكان من الشيعيّة ، هي التي انتفضت ضد الوجود أو الاحتلال الإيراني "بغداد حرة حرة إيران برا برا" ، والدليل أحراق القنصلية الإيرانية في البصرة فيما مضى .
    الآن فقط فهمنا لماذا ، تحت ذريعة محاربة الإرهاب و داعش ، هدمت الموصل ، المدينة الثانية في بلاد ما بين النهرين ، على أهلها .
    هل كان نظام حزب البعث وصدام حسين أكثر إجراما مما يقع الآن في العراق من مجازر ومذابح يندى لها الجبين ؟ .

  • صالح/ الجزائر

    لقد ناصرنا ، في الماضي القريب ، إيران (باسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومعاداة أمريكا لها) ، حزب الله في لبنان (باسم المقاومة) ، نظام الأسد في سوريا (باسم الوحدة الوطنية) والحوثيين (باسم تعرضهم للظلم) ، ضد من يعدونهم في الغرب وفي الخليج ، لكن التجارب الأخيرة في العراق ، بالدرجة الأولى ، أثبتت أننا كنا مخطئين وأن إيران ضمنيا لا تختلف عن أمريكا ، بل ربما كان احتلال أمريكا للعراق أهون من احتلاله ، مع الأسف ، من إيران .

  • عبدالله FreeThink

    "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"
    الله أعلم، في مثل هذه المسائل والحروب من الجيل الرابع كما تسمى، أو صنع النظام بعد خلق الفوضى، أنا لا أتكلم حتى يكون لدي علم ومعرفة بعد تحقيق طويل...وسوريا كانت عبرة لنا جميعا..
    الكثير شارك في الفتنة التي تبين فيما بعد أنها كانت عن تخطيط مسبق، وهو ما أكدته المعلومات والوثائق، ثم جاء تصريح وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم الشهير والموجود على اليوتيوب الذي يقول فيه "نحن تهاوشنا ع الصيدة والصيدة فلتت منا " (يقصد بالصيدة سوريا في خضم نزاعهم مع ال سعود على إقتسامها)

  • Ahmed

    ايه النصر راه جاي! على خاطر تخليك امريكا ترفع راسك.