-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

منطق قويدر الزدّام

حسين لقرع
  • 3242
  • 2
منطق قويدر الزدّام

يصعب على أجيال الاستقلال معرفة ما إذا كان ياسف سعدي، قائد ولاية الجزائر المستقلة أثناء الثورة، مُحقا في اتهاماته لزهرة ظريف وقبلها لويزة إغيل أحريز، بـ”الخيانة والعمالة” للجيش الاستعماري، أم أنه يتجنى عليهما؛ فمثل هذه الاتهامات عادة ما يتعذّر التأكدُ منها بالدّليل الدامغ الذي يدحض أي تشكيك.

لكن الأكيد أن ما تحدّث عنه سعدي بشأن أحريز وظريف، وما كشف عنه الرئيسان علي كافي وبن بلة منذ سنوات بشأناتصالات عبان رمضان بالعدو، وما يُثار من شكوك بخصوص ظروف استشهاد بعض قادة الثورة، ومنهم مصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي وعميروش وسي الحواس وغيرهمليس سوى الجزء البسيط الظاهر من جبل الجليد العائم في المحيط، أما الجزءُ الأعظم فهو مخفيٌ تحت المياه، ولو كشفت فرنسا عن أرشيفها الضخم المتعلق بالثورة، والذي يضم ملايين الوثائق المختلفة، لعرفت أجيالُ اليوم الكثير من الحقائق الغامضة، ومنها حقيقةالجيش الأزرقالذي أضرّ بالثورة وتسبّب في تصفية 2500 مجاهد، بسبب تفاقم الشكوك والاتهامات، ودفعة لاكوست، وقائمة العملاء الذين تسرَّبوا إلى مختلف المواقع والمسؤوليات بعد الاستقلال وأصبحوامجاهدينأبطالاً يروون لأحفادهمبطولاتهمفي الثورة، وكيف أسقطوا الطائرات وفجَّروا الدبابات على طريقة قويدر الزدام، في حين أنهم كانوا مجرد بيادق للاستعمار يعملون معه خِفية على الإضرار بالثورة، وليس بطريقة مكشوفة كما كان يفعلالحركى“.

ولا شك أن ياسف سعدي يعرف الكثير منهم، ولكنه لا يجرؤ على كشفهم إيثاراً للسلامة وقضاء ما بقي من عمره في هدوء، ليموت على فراشه، ولذلك جاءت اتهاماتُه لأحريز بـالخيانةوظريف بالوشاية بعلي لا بوانت وحسيبة بن بوعلي بلا طعمٍ ولا قيمة، بل إن بعض المتتبعين فهموا ذلك في سياق إبعاد التهمة عن نفسه، بعد أن اتهمه أوساريس، أحد السفاحين الفرنسيين الذين شاركوا في قمعمعركة الجزائرعام 1957، بالوشاية بلابوانت وبن بوعلي، ما ترك غصّة مريرة في حلقه؛ فكيف يستطيع إقناعَ الجزائريين بأن أوساريس يفتري عليه بعد أن ذكره وحده دون مئات المجاهدين المشاركين فيمعركة الجزائر؟  

ليس مقبولاً انتظارُ نصف قرن للخوض في حوادث تاريخية بعد أن تكون قد فقدت أهمِّيتها تقريباً، ويكون الكثيرُ من الشهود قد انتقلوا إلى رحمة الله، وقد كان بالإمكان فعلُ ذلك عقب الاستقلال مباشرة أو في الستينيات على الأقل، لكن ياسف لم يفعلها آنذاك، وانتظر كل هذا الوقت ليتحدّث، كما أنه ليس مقبولاً أن يأتي من يقول بعد نصف قرن كامل إنه شارك في الثورة التحريرية ويريد اليوم أن تعترف به وزارة المجاهدين وتمنحهبطاقة مجاهدومنحة ً شهرية يعتاشُ منها وامتيازاتٍ أخرى تمتدّ حتى إلى أبنائه، فقد أفضى فتحُ هذا الباب إلى تسجيل أكثر من 642 ألفمجاهديتقاضون منحاً من وزارة المجاهدين، في حين أكد عددٌ من قادة الثورة ومنهم سعد دحلب أن عدد المجاهدين في 19 مارس 1962، ومنهم جنود جيش الحدود، كان لا يتجاوز 35 ألف مجاهد، فكيف تضاعف العددُ بمتوالية هندسية؟

 

ومهما يكن من أمر، فإن كل ما يُروَّج عن الصراعات بين قادة الثورة والتصفيات الجسدية التي حدثت بينهم في عز المواجهات العسكرية مع فرنسا، وامتدت إلى ما بعد الاستقلال من أجل احتكار الحكم، وكل ما يُتبادل من اتهامات بالخيانة والعمالة لفرنسا، وكل أخطاء المجاهدين في أثناء الثورة التحريرية ومنها مجزرة بني يلمان مثلاًكل ذلك يُحسب على هؤلاء وحدهم ولا يلزم في شيء أعظمَ ثورة على الاستعمار في القرن العشرين، تماماً مثلما لا تلزم أخطاءُ بعض المتعصبين المسلمين وجرائمُهم الإسلامَ في شيء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • أحمد مطر

    عظمة أي ثورة تقاس بما غيرت في واقع الأمر وما حققت من مكاسب للشعب ونحن لازالنابعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال تابعين لفرنسا نشتري سلعها ونحكم بقوانينها ونتخذ القرارات السيادية بمشورتها ويعالج رئىسنا ووزراءه في مستشفياتها فبالله عليكم حدثونا عن حقيقة مِؤتمر الصومام ومفاوضات إفيان وميثاق طرابلس حتى تعلم الأجيال القادمة من باع الثورة لينعم بالثروة ومن خان الشهداء بالأسماء ومازالوا يحكمون البلاد باسم الشرعية الثورية زعموا؟؟؟

  • assia

    ALLAH YARHAM DES VRAIS CHOUHADA ET HISSAB INDA ALLAH AJILLA AM AJILLA