-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل يحتاج الإعلام العربي إلى مفوضية؟ (2/2)

محمد قيراط
  • 4247
  • 0
هل يحتاج الإعلام العربي إلى مفوضية؟ (2/2)

يدور الكلام هذه الأيام عن مفوضية للإعلام العربي في كواليس جامعة الدول العربية بهدف تنظيم البيت الإعلامي و”تحديث منطلقات الخطاب الإعلامي العربي، واحترام المبادئ المهنية الإعلامية حول حرية الرأي والمصداقية والشفافية، وحماية محتوى المادة الإعلامية من التحريض على العنف أو التمييز على أسس دينية أو عرقية”.

  • والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل الإعلام العربي بحاجة إلى مفوضية؟ وهل هذه المؤسسة ستحل مشاكل الإعلام العربي المهنية والأخلاقية؟ أم أن الأمر يتطلب أكثر من تقنين ووضع معايير. فالإعلام هو بالدرجة الأولى رسالة نبيلة يقوم بها القائم بالاتصال في إطار مؤسسة من المفروض أن يكون صاحبها يؤمن بقواعد الصناعة الإعلامية الشريفة والملتزمة. أما إذا خرج الصحفي عن هذا الإطار وخرج مالك المؤسسة الإعلامية -قطاع عام أو خاص- عن قوانين وأخلاقيات المهنة فوثائق ومفوضيات وزراء الإعلام العرب لا تأتي بجديد ولا تستطيع أن ترتب البيت إذا لم يقتنع صاحب البيت بتصويب أدائه واحترام مهنته.
  • المتفق عليه هو أن الإعلام الفضائي العربي يعاني من مشاكل عديدة، وأن هناك أفرادا يشرفون على هذا الإعلام وهمهم الوحيد هو الربح بغض النظر عن الوسيلة والطريقة للوصول إلى هذا الربح. ومن هؤلاء من يجهل تماما ماهية ومعنى المسؤولية الاجتماعية وخدمة المصلحة العامة والمشاهد وخدمة الحقيقة. انتقادات لادعة توجه لما تبثه هذه الفضائيات التي تكاثرت كالفطر، لكن أين هو الحل؟ وهل وثيقة تنظيم البث الفضائي ستقضي على قنوات الشعوذة ورسائل الأس. أم. أس. وغيرها من محطات الرقص واللهو والغناء و”ستار أكاديمي” و”بيغ برذرز”؟ قبل هذه الوثيقة أصدرت اللجنة الإعلامية في جامعة الدول العربية ميثاق شرف للعمل الإعلامي العربي، لكن بدون جدوى حيث أن مثل هذه المواثيق ومثل هذه الوثائق تبقى في غالب الأحيان حبرا على ورق وبدون آليات لتطبيقها ومعاقبة من يخالفها.
  • ردود الفعل على وثيقة تنظيم البث الفضائي جاءت متباينة فمنهم من رأى أنها مجرد مبررات فارغة لتقييد حرية تداول المعلومات. ويرى هؤلاء أن الوثيقة تهدف إلى حصار وتقييد حق المواطن العربي في المعرفة القائمة على تنوع المصدر وتنوع الآراء والرؤى والتحليلات. فكلمات “الوحدة الوطنية” و”السيادة الوطنية” و”السلم الاجتماعي” و”النظام العام” كلمات مطاطية يمكن تأويلها بطرق مختلفة وممكن مصادرة ومراقبة الرأي باستعمالها. كما يرى بعض النقاد عودة الرقيب العربي المتمثل في الحكومات العربية وعلى رأسها وزراء الإعلام للتدخل لمصادرة حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير باسم عبارات وبنود فارغة المعنى كحق المواطن في الحصول على المعلومة والتأكيد على حرية التعبير. هذه اللغة وهذه العبارات والنصوص تعوّد عليها المواطن العربي وخصوصا الصحافيين العرب لأنها متداولة وموجودة ومستعملة في معظم قوانين النشر والمطبوعات والإعلام في العالم العربي. كما يرى نقاد الوثيقة خطورة فرض عقوبات صارمة على مخالفي هذه النصوص الفضفاضة والتي تصل إلى حد سحب ترخيص القناة الفضائية أو وقفها نهائيا أو لمدد محددة، وكذلك مصادرة الأجهزة والمعدات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أين القضاء وأين العدالة للبت في مثل هذه المخالفات؟ فإغلاق قنوات فضائية دون الرجوع إلى القانون يعني اختراقا للقانون واختراقا للنظام العام واختراقا لحق الفرد في المجتمع للحصول على محاكمة عادلة.
  • هل اتفق العرب على أن يكون إعلامهم هابطا متبرجا منحلا أو أن يكون إعلاما تحت رحمة الحكومات يهلل ويسبح ويصفق لإنجازات السلطة وعظمة الحكام؟ ألا يستطيع هذا الإعلام أن يكون حرا نزيها مستقلا له رسالة شريفة ونبيلة وهي خدمة الكلمة الصادقة وخدمة المصلحة العامة بدون تهريج ولا تشويش ولا تجريح ولا تشهير ولا تدخل ولا تأثير لا من سلطة السياسة ولا من سلطة المال. ألا يستطيع هذا الإعلام أن يكون حرا ومستقلا من جشع المال من جهة، ومن سطو الحكومات من جهة أخرى. مفوضية الإعلام العربي مثلها مثل وثيقة تنظيم البث الفضائي تشير إلى حنين وزراء الإعلام العرب إلى العودة إلى الماضي، العودة إلى أبواق النفاق وأبواق نشرات الأخبار التي تدوم أكثر من ساعة من أجل الإشادة بإنجازات السلطة وعبقريتها وعظمتها. مشكلة الفضاء الإعلامي العربي أكثر بكثير من مفوضية للإعلام أو وضع حزمة من قوانين ومواثيق شرف بقدر ما تتمثل في ضمير الإنسان العربي سواء كان حاكما أو محكوما. فالحاكم يجب أن يقتنع أن حرية الرأي والفكر والتعبير هي مفتاح الإبداع والنجاح والتفوق، وأن الصراحة والشفافية والنقد والنقد الذاتي هي خصال الشجعان والأبطال. أما المحكوم أو الفرد في المجتمع فيجب أن يقوم بمسؤوليته على أحسن وجه. فصاحب المحطة الفضائية يجب أن يعي أن محطته هي مؤسسة اجتماعية تصنع الفكر والذاكرة الجماعية للأمة وتشكل الرأي العام وهي ليست فضاءً للإعلانات فقط وللمنتجات المعلبة الهابطة، وليست كذلك ماكينة تبيض ذهبا. أما الفرد فيجب أن يلعب دوره من خلال المجتمع المدني بمكوناته المختلفة لمراقبة الفضائيات الهابطة. المجتمع المدني من واجبه وبإمكانه أن يقوم بدور المراقب لتجاوزات الفضائيات الهابطة من خلال الندوات والمحاضرات وتوعية الجمهور ليكون مسؤولا ويدافع عن حقه في الحصول على المعلومة والرسالة الملتزمة والنقية من الشوائب التي لا تخدش الحياء ولا تخترق النسيج القيمي والأخلاقي للمجتمع. فأين هي النقابات والاتحادات والجمعيات التي من شأنها أن تحمي المجتمع من التلوث الثقافي وانهيار القيم والأخلاق وبث السموم المتواصل من فضائيات تدعي أنها مؤسسات إعلامية و هي بعيدة كل البعد عن شيء إسمه الإعلام. أين هي المسؤولية الاجتماعية في الإعلام العربي؟ وأين هي القيمة التي تضيفها الفضائيات العربية للمجتمع وللفرد. فوضى الإعلام الفضائي العربي مسؤولية الجميع ومسؤولية المجتمع بكامله ومن واجب الجميع وكل حسب إمكانياته وطاقاته وموقعه التصدي ومواجهة هذا الانفلات الأخلاقي والثقافي والقيمي الذي يهدد النسيج الاجتماعي والثقافي والأخلاقي برمته. أما وزراء الإعلام العرب فالأجدر بهم التركيز على الاستثمار في تكوين وتدريب وتأهيل الإعلاميين والصحفيين والقائمين على المؤسسات الإعلامية لتطوير المنتج الإعلامي والرسالة الإعلامية الهادفة والملتزمة. ومن واجبهم كذلك الاستثمار في البنية التحتية الاتصالية والاستثمار في الانتاج الهادف والملتزم. أما فوضة الإعلام الفضائي العربي فهي بحاجة إلى تنظيم وإلى أخلاق وإلى ضمير مهني وإلى مجتمع مدني مسؤول وفعال.              
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!