-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

2023 .. السنة الكاشفة

2023 .. السنة الكاشفة

تعدّ كلمة “الكاشفة” العنوان الأنسب الذي يمكن إطلاقه على سنة 2023 المنقضية، إذ كانت معركة “طوفان الأقصى” التي اندلعت في ثلثها الأخير أهمَّ منعرج فيها، ليس فقط لأنها شهدت سادية صهيونية لم يشهد لها العالم مثيلا، ولكن أيضا لأن شعوب المعمورة وخاصة في العالمين العربي والإسلامي وقفت على حقائق ظلت الآلة الإعلامية الغربية تغطيها.

و”طوفان الأقصى”، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة، لم “يحدث من فراغ”، ولكنه كان نتيجة حتمية لغطرسة صهيونية في الأراضي المحتلة، وأيضا لصمت مريب من المجتمع الدولي أمام المناشدات المتكررة للفلسطينيين، من أجل وقف آلة القتل اليومي وتدنيس المقدَّسات وزرع المستوطنات في الضفة، والأكثر من ذلك، فالعالم نسي أن قطاع غزة الذي يأوي أكثر من مليونين من البشر محاصَرٌ منذ سنوات.
والأدهى في هذا الوضع، أن الأنظمة الغربية والمنظمات والإعلام الذي يدور في فلكها صوَّر للعالم أن هذه المأساة بدأت يوم 7 أكتوبر عندما قرر الضحايا قول “كفى” لهذه الغطرسة وحاولوا إسماع صوتهم وإيصال رسالتهم للعالم بأن هذا الوضع يجب أن ينتهي، وأن السبب الحقيقي لهذا الصراع هو الاحتلال وليس رفض الفلسطينيين له.
وكانت هذه السنة “كاشفة”، لأن هجمات “طوفان الأقصى” وحتى ما تلاها من معارك إلى غاية اليوم، أسقطت وإلى الأبد أسطورة الجيش الذي لا يُقهر والمخابرات التي تصل يدها إلى أي مكان تريده، إذ تمكَّن حفنة من المقاومين من العبث بعدة ثكنات ومراكز أمنية صهيونية في غلاف غزة في ظرف ساعات، والأهم من ذلك أن هذا الهجوم الذي بدأ التخطيط له منذ أشهر طويلة حافظ أصحابُه على سريته وعنصر المفاجأة فيه.
وهذه المعركة التي هزت الكيان، انعكست على الأرض في حالة سعار لمسؤوليه السياسيين والأمنيين، باللجوء إلى سياسة انتقام جماعي من سكان غزة وارتكاب محارق ومجازر مروِّعة، لكن في النهاية، فمخططات الاحتلال وأهدافُه سقطت الواحدة تلو الأخرى أمام صمود الفلسطينيين في غزة، كما أن المقاومة وفت بوعدها للجيش المشارك في الغزو البري بإذاقة جنوده وضباطه جميع أصناف الموت، والنتيجة كانت سحب ألوية النخبة من القطاع على وقع ضربات قاسية تلقَّتها.
وقاد هوس البحث عن نصر ولو وهمي نتانياهو إلى نقل المعركة إلى خارج فلسطين باستهداف القيادي في “حماس” صالح العاروري بغارة في بيروت، استُشهد على إثرها رفقة عدد من القيادات، لكن هذا الاغتيال يمكن تسويقه فقط للداخل الإسرائيلي، لأن مسيرة المقاومة الفلسطينية مليئة بالأمثلة عن تضحيات قادتها، لكنها تخرج كل مرة أكثر قوة ويظهر قادة جددٌ أكثر صلابة وقوّة في مواجهة الاحتلال.
وكانت هذه السنة “كاشفة” خارج فلسطين أيضا، لأن العالم وقف على سقوط أخلاقي للأنظمة الغربية من الصعب أن تنهض منه مستقبلا؛ فالمجازر التي تُنقل على الهواء يوميا وقطع الماء والكهرباء والغذاء عن سكان القطاع وجدت له هذه الحكومات أعذارا في “حق الدفاع عن النفس”، وتبين أن ورقة “حقوق الإنسان” التي يتم توظيفها في كل مرة لم تخرج يوما عن خدمة مصالح هذه الدول.
كما كشفت هذه الأيام الطويلة من العدوان حجم الهوان الذي لحق بالعالمين العربي والإسلامي، إلى درجة أن قرابة 60 دولة عجزت عن إدخال قارورة ماء لسكان القطاع العطشى، ناهيك عن ممارسة الحد الأدنى من الضغط لوقف المجازر وفتح المعابر، حتى أن دولة مثل جنوب إفريقيا نابت عنّا في مطاردة قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية لضمان عدم إفلاتهم من العقاب هذه المرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!