-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العالم يُغيِّرُ عقيدته الاستراتيجية… ونحن؟

العالم يُغيِّرُ عقيدته الاستراتيجية… ونحن؟

تَدُل كل المؤشرات الاستراتيجية الحالية أن العالم بدأ يتشكل بصيغة لا تَخدم القِوى الغربية التقليدية تماما. لم يكن قبل اليوم من المُمكن لمجموعة من الدول المصدِّرة للبترول أن تُبادر إلى اتخاذ قرارين هامين في هذا المجال في أقل من 6 أشهر (أكتوبر والآن) بتخفيض الإنتاج بدون الخوف من ردة فعل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كما فعلت مجموعة من دول “أوبك+” بالأمس، (السعودية، روسيا، العراق، الإمارات، الكويت، سلطنة عمان، الجزائر، كازاخستان). ولم يكن قبل اليوم من الممكن لِمثل هذه الدول أَنْ تَجِد السَّنَد الواضح لها في علاقاتها الدولية لِتَتَّخِذ مثل هذا القرار. لم يَعرف الصراع الدولي وضوحا بارزا في العقدين الأخيرين كالذي نراه مُجَسَّدا أمامنا حاليا.

أعلنت روسيا قبل أيام عقيدتها الاستراتيجية الجديدة وحَدَّدَت معالم سياستها الخارجية، تحت عنوان كبير يقول: يُعَدُّ الغرب من الآن فصاعدا تهديدا وجوديا لروسيا، وأن هذه الأخيرة إنما تواجه الولايات المتحدة في أوكرانيا من هذا المُنطَلق.. وبالنتيجة تُصبِح علاقاتها مع الصين أكثر متانة، ويَتَفَوَّقُ التعامل بالعملة الصينية “اليوان” لديها لأول مرة على التعامل بالدولار (أكثر من 60%)، ويتم تشجيع السَّير بهذا الاتجاه في الكثير من دول العالم بدءا بالبرازيل فالهند، لِيصل الأمر إلى كل مجموعة “البريكس” التي ستَتَخلص تدريجيا من التعامل بالعملة الأمريكية، ثم يتوسع إلى دول أخرى قريبة من المجموعة كإيران والمملكة العربية السعودية والجزائر، بل وكل مجموعة الدول التي وافقت في المدة الأخيرة بمبادرة فردية تخفيض إنتاج النفط بدون الخوف من رَدَّة فعل الولايات المتحدة الغارقة في مشكلاتها الداخلية (قضية محاكمة ترامب) والخارجية الحرب مع روسيا في أوكرانيا، ومؤشرات بداية حرب مع الصين في مضيق “تايوان”.

لا يُعَد هذا بالتحول الهِيِّن في العلاقات الدولية، بل هو إشارة واضحة إلى الاتجاه المستقبلي الذي تسير نحوه. لو كان في إمكان الولايات المتحدة عمل أمر ما، لَفعلته لمنع هذا الانحسار لدورها.. حتى ما يُعرَف بقانون “نوبك” الذي كانت تسعى منذ 20 سنة لإقراره، (من أهم بنوده منع تكتلات إنتاج وتصدير النفط، مقاضاة أوبك بحجة الاحتكار)، لم يَعُد اليوم مُجدِيا، وقد خرجت عن طوعها أكثر الدول التي كانت تعتقد أنها غير قادرة على ذلك قبل سنوات… فضلا عن إيران التي بات واضحا أنها بدأت تأخذ زمام المبادرة في ملفها النووي، ولم تعد تخشى الردع الأمريكي أو الإسرائيلي، بل العكس هو الذي يحدث، الولايات المتحدة هي التي تسعى إلى اتفاق جزئي معها حسب مواقع عبرية أول أمس، مستخدمة ما بقي لها من أوراق ضاغطة على هذا البلد في سورية ومع بلدان الخليج العربية… وحتى هذه الأوراق من شأن الاتفاق الرباعي السوري الإيراني التركي الروسي الذي تتشكل معالمه اليوم (اجتماع 4 أبريل بموسكو) أن يُلغيها، كما أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية واضحة ستمنع استخدامها…

 إذا أضفنا إلى هذا، التوجه العام في القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية نحو التقرب أكثر من الصين وروسيا على حساب القوى الغربية الاستعمارية السابقة، وتَجَرُّؤ قادة أفارقة (افريقيا الوسطى، ناميبيا…) على توجيه انتقادات لاذعة علنية لِقادة ورسميين أوروبيين (ألمان، فرنسيين…) كانوا يخشون شرورهم قبل سنوات قليلة، فضلا عن طرد قواتهم العسكرية مع الإذلال الواضح، كما هو الشأن بالنسبة للفرنسيين، يَتبيَّنُ لنا أننا نعيش بالفعل مرحلة انحسار القوى الغربية التقليدية من مناطقنا. وأن مرحلة إعادة صوغ عقيدتنا الاستراتيجية كدول صاعدة قد حان…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!