-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مع القراء….

التهامي مجوري
  • 2141
  • 0
مع القراء….

القراء مع ما يقرأون أنواع وأشكال، منهم الشاب والكهل والشيخ، ومنهم النخب المتعلمة تعليما عاليا ومتوسطا وضعيها، ومنهم الأكاديمي العلمي والأدبي والتقني، ومنهم العصامي الذي لم يدخل مؤسسة تعليمية، ومنهم السياسي والمثقف ورجل الأعمال ومنهم العامل والبطال والمتسول..، كل هؤلاء يلتقون مع الكتاب يوميا، على الجرائد والمواقع الالكترونية والمجلات والكتب…

وهؤلاء جميعا يتنوعون في قراءاتهم واختياراتهم لما يقرؤون، إلى اهتمامات متفاوتة، فمنهم من يقرأ ما يشده من العناوين المثيرة فقط، ولا يعبأ بما دون ذلك، وهذا النوع من القراء هو الأكثر والأعم، والأصل فيه عدم القراءة؛ لأنه لا يشعر بأنه في حاجة إليها، وإنما القراءة عنه بمثابة الاستجابة لغريزة الفضول، فعندما يستثار يجبر على القراءة، وهؤلاء هم أكثر القراء على الإطلاق؛ لأن الإثارة تمس جميع الناس، فكل مثير جالب للفضول.. فموضوع يتكلم على السكن أو رفع الأجور أو هروب مسؤول او اتهام رئيس، لا شك أن كل الناس يهمهم الموضوع ويريدون معرفة ما قيل فيه وما تفاصيله، ويلي هذا الصنف من القراء، صنف آخر يقرأ لكاتب أو كتاب معينين، فإذا وجد لكاتب ما يعرفه أو يعجبه أو كتاب شيئا، قرأه وإذا لم يجد لا يقرأ؛ بل إن بعضهم يفتش كل يوم عما كتب فلان في الموضوع الفلاني –موضوع الساعة مثلا- او موضوع يشغله، وهذا النوع من القراء، لا يبحث دائما عن المعرفة، وإنما قد يكون لمجرد المتعة الأدبية لأن الكاتب الذي تعلق به صاحب أسلوب ممتع، أو يكون لمجرد معرفة رد فعل الكاتب في موضوع ما؛ لأن الكاتب عرف بأسلوب ساخر أو بالمعالجة الحادة المعارضة، وبالتعبير القوي، وهذا النوع من القراء غالبا ما يكون مع كتاب العمود، لأن العمود من أكثر ألأصناف الصحفية قراءة، ولكن قراءه في غالب الأحيان لا يكونون من الباحثين عن الزاد المعرفي بقد ما يبحثون عن متعة وردود أفعال آنية، واطلاع من أجل الاطلاع المفصول عن أثره المستقبلي، وكذلك كتاب العمود في الغالب هم إعلاميون مناضلون مهنيا لا يهمهم من الكتابة إلا وصول الحقيقة إلى القارئ والتعليق عليها، من غير أدلجة ولا توجيه، وفي ذاك مستويات بطبيعة الحال؛ لأن الحياد غير ممكن، إذ لكل كاتب خلفيته الثقافية والفكرية.

ومن القراء أيضا من يتعامل مع العناوين التي تلفت انتباهه هو شخصيا، سواء كانت مثيرة أو غير مثيرة، لسبب من الأسباب؛ لأن حاجته من المقال مرتبطة بمجال معرفي يبحث فيه او مهتم به، إذ المعروف أن المقال الصحفي يعد من أرقى الكتابات المعبرة عن الأفكار والأيديولوجيات والنظريات العلمية والأدبية والفنية، ولذلك نجد أن الكثير من الكتب التي ألفت في نظريات ومدارس علمية وأدبية وفنية، كانت بدايتها مقالا أو مقالات، ذلك أن المقال في جوهره خلاصة تجربة كاتب في موضوع ما او ميدان ما، مثل الكتابين المؤسسين للأحادية القطبية اللذين صدرا مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي: كتاب “صدام الحضارات” لصامويل هنتنغتون، وكتاب “نهاية التاريخ” لفرانسيس فوكو ياما، فهذان الكتابات أول ما صدرا، صدر كل منهما في مقال في مجلة. وهنا لا نتكلم عن التغطيات الصحفية والتعليقات وإنما كلامنا عن المقال التحليلي أو الدراسي. وقارئ هذا النوع من الكتابة، يجد نفسه قارئا طالبا للزاد المعرفي في الموضوع الذي يلفت انتباهه فيما يكتب الناس، وإن لم يقصد ذلك في البداية.

وهناك صنف آخر من القراء وهم القراء المؤدلجون، فهؤلاء القراء قد غلقوا على أنفسهم نوافذ معرفية هامة، حيث لا يقرأون إلا لفصيلهم ليزدادوا توغلا في تقوية عداواتهم للخصوم وإشعال فتيلها، فيزدادون تعبئة لخوض المعارك الناجحة، ويقرأون أيضا لخصومهم ليعرفوا أكثر كيف يفكرون ليتغلبوا عليهم وعلى ما يرونه ضعفا فيهم، وهذا الصنف من القراء، هم الأضعف قراء على الإطلاق، بسبب ضيق الأفق ومحدودية الإطار الذي وضعوا أنفسهم فيه، ويفكرون من خلاله؛ لأن ثمار المعرفة والحقيقة ليست دائما عند من نجب، والباطل عند من لا نحب، وإنما هي موزعة في ساحات الجهد البشر واجتهاداتهم، ولا يدركها إلا القارئ الحر الذي لم يغلق على نفسه بشيء من اجتهادات المجتهدين.

هؤلاء القراء جميعا، على ما بينهم من اختلاف، هم قراء. والقارئ مهما كان موقعه في التصنيف الذي ذكرناه –بين الأفضل والأسوأ- فهو مستعد للتحول من الموقع الذي هو فيه، إلى موقع أفضل منه لمجرد أنه يقرأ، لأن القراءة من الأفعال التي لها الأثر المستقبلي وإن لم يقصدها صاحبها؛ والذي يقرأ  ويدمن على القراءة –ولو كانت قراءة جرائد- ليس حرا في الإبقاء على ما يريد أو إهمال ما لا يريد دائما، وإنما بالمداومة على القراءة تبقى دائما معاني تسكن لا شعور الإنسان الذي يقرأ من حيث لا يدري، ولذلك نجد الناس يتغيرون وتتغير آراؤهم ومواقفهم وانطباعاتهم، وأسباب التغير كثيرة ومن بين هذه الأسباب القراءة، ولذلك نجد ان المنظومات التربوية في العالم تفرض القراءة كمحور في تعليم الطفل وتربيته في السنوات الأولى من مراحل التعليم، قراءة موضوع أو كتاب او تلخيص.

إن القراء يملكون من الحرية بقدر ما يقرأون، ويفقدون منها القدر الذي يقصرون فيه بالقراءة، لأن تغيرهم وتغير مواقفهم وآرائهم وانطباعاتهم، يكون بسبب القراءة وليس بسبب القوى الخارجة عن ذواتهم التي لا تؤثر إلا بقدر القبول والتأثر، أما الذين لا يقرأون فلا حرية لهم يمارسونها؛ بل لا يشعرون أنهم في حاجة إليها، فإن لم يستبد بهم سلطان جائر، يستبد بهم المال والجاه والهوى..، ولذلك قيل يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه. وأول مفاتيح الجهل عدم القراءة، والشعوب القارئة تملك من معاني الرشد ما لا تملكه الشعوب التي تقرأ، والشعوب التي تقرأ لا تقبل الضيم، وتقاوم الظلم، وتقارعه بعلم، فتعرف المبادئ والوسائل والغايات، في تحولاتها الاجتماعية، كما تعرف ما تريد ولا تريد تماما..، فالشعب القارئ لا يمكن ان يقوم بثورة على نظام فاسد مثلا ليكسب في النهاية بلدا محطما على آخره. لقد قيل عن العراق ان نسبة الأمية في عهد الرئيس صدام حسين رحمه الله، بلغت صفر بالمائة، وهذا جيد، ولكن انتفاء الأمية لا تعني وجود القراءة، والسبب في عدم القراءة هو طبيعة النظام الاستبدادي، الذي قرر بمنظوماته كلها القضاء على الأمية، ولكن لم تفكر في القضاء على التخلف، الذي هو مستعد للتضحية بالمجتمع برمته، في أول فرصة متاحة له للتغيير؛ وذلك ما وقع للعراق بكل أسف ابتداء من سنة 2003.

إن القراءة ثقافة وحضارة، يقاس بها مستوى المجتمع الحضاري، قل لي ما نسبة القراءة في المجتمع أقول لك ما حضه من الحضارة والكرم الإلهي (اقرأ وربك الأكرم الذي علم. بالقلم). وما هو مشاهد اليوم في العالم أن طبعات الكتب في المجتمعات المتقدمة، تعد بملايين النسخ، روايات دراسات رسائل أكاديمية…إلخ، أما في المجتمعات المتخلفة، فإن ملايين المطبوعات هي للجرائد اليوم، التي تطبع الملايين ولكن مبيعاتها.. محل تساؤل.. اما الكتب فلا حديث عنها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • هدام ابو المعاول

    نعم احسنت يا اخانا, صدام ناس ملاح و زعيم. العار في العراقيين: ماشي ملاح و ماشي زعماء.

  • إبراهيم

    مقال لابأس به، أخالفك في تحليلك لما حدث للعراق، لأنك تحدثت عن موضوع عام هو القراءة ولم تتحدث عن الثقافة بما أنها الجانب السلوكي من القراءة، وثانيا العراق بلد خذله الخونة من أبنائه والأقربون من جيرانه وليست القضية قضية قراءة أو أمية.

  • قاسي

    الحمد لله والسلام على المصطفى العلم من اشرف ما يتحلى به الإنسان ان قارنه العمل و ايظ لقد رأيت من تراثنا عجائب العجاب ما هو باقي في المخطوط و ما هو مطبوع على المسؤولين الطبع هذه المخطوطات حتى لا نترك على ما سمعت من بعض.الجهال الذي لا يعرف بلدنا ان ليس فيها العلاماء و ايظ علينا نحي هيئة العلاماء الجزائر بالجد حتى ندرك شبابنا من افكار الهدامة التي تخالف منهجها الذي ورثنه عن علمائنا منذ 15 قرنا هذه هي دعوة و الله هو الهاد امين

  • بدون اسم

    شكرا أستاذ على هذا المقال الرائع الذي هو من صميم الواقع المرير...واقع خيم فيه الجهل و أرخى سدوله...

  • عبدالقادر

    صدقت في مقالك الرائع امتنالاتحسن القراءة.نرجو ان يكون مقالك هذاصحوةلضمير بعض القراءعلى الاقل ينتبهون ويربون ابنائهم على حب القراءةوحثهم عليهاابتداءا من اليوم قبل الغدحتى نتج جيلا يقرأمستقبلا ومنه يكون فيه خيركبير لوطنه وشعبه ولايعبث به العابثين.كان القليل من الجزائريين في الماضي القريب بعدالاستقل يقرؤون لكن لم عرفوا كيف نجعلون الاجيال التي اتت بعدهم كيفتحب القرأةالحديث حول القراءةفي الجزائر فيه الكثير من الكلام خاصةعن الاسباب التي ادت الى مانحن عليه اليوم واهم العوامل هوتسلط وتنطع اشباه المثقفين

  • اسامة

    شكرا لك ايها الرجل الكريم على هذا المقال الرائع الذي لم اقرأ مثله قط على جريدة من جرائدنا كلها. ما أسعد من كتب مقالا كهذا وما اسعد من قرأه و ما اسعد من اتاح لغيره قراءته!
    بوركت ياسيدي.