-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مواطنون بلا وطن

عمار يزلي
  • 2631
  • 0
مواطنون بلا وطن

الكل كان ولا يزال ينتظر ماذا تحمل السنة الجديدة 2016 من متاعب ومصاعب ومستجدات على الساحة الاقتصادية، متبوعة بالساحة السياسية، طالما أن الاقتصاد صار من الآن فصاعدا هو من يحدد السياسة وليس العكس كما كان في السابق مع “الاقتصاد السياسي”. الكل صار يضرب حساباته وحسابات غيره بعدما وصل سعر النفط إلى الحضيض وصار المواطن يعيش على الحديد!

أسعار النفط في تهاو مستمر، وقد ينخفض سعر البرميل خلال أشهر إلى حد العشرين دولارا! مما يعني أن سعر البيع سيعادل سعر الإنتاج الذي هو في حدود 20 دولارا! ومعناه لا ربح ولا خسارة! وهذا في حد ذاته يعد خسارة! لأن كل تقليص للربح يؤدي حتما إلى خسارة! وبيع مادة بسعر التكلفة ليس بتجارة عاقل! وعندها سيكون من الأحسن التوقف عن إنتاج النفط أصلا حفاظا على المخزون الاحتياطي، الذي مع الأسف بعناه وبعنا معه نفط الجيل القادم لكي ينعم به جيل اليوم!

تصورا أخا أكبر يبيع مدخرات إخوته الصغار التي تركها لهم أبوهم وهم قصر، ليستهلك جلها أو كلها بدعوى أنه “يخدم على إخوته”، لكن حين يكبرون قليلا ويصير كل واحد قادرا على العمل، لن يجد أحد شيئا! فلقد أكله الكبير بدعوة أن الصغار هم من أكلوه! ويكون بذلك الأخ الأكبر، قد أكل رزق أخوته قبل الوقت ولم يترك لهم إلا الهواء والريح..! هكذا، فعلنا لما رحنا نبيع نفطنا من خلال عقود طويلة بسعر مرجعي بسيط! بعنا النفط وأخذنا المال في الحين وبقينا نبيعه مجانا لسنوات قادمة! مقابل هذا، أموالنا وسنداتنا السياسية بملايير الدولارات تنعش الاقتصاد الأمريكي والغربي! ناهيك عن ملايير الدولارات التي هربت في شكل عملات إلى الخارج أو تلك التي بنى بها البعض هنا مشاريعه الاقتصادية، هدية من الدولة الوطنية الاشتراكية التي انتقلت إلى الرأسمالية! وإكرامية لمن دعموا الحملات الانتخابية بأموالهم وأنفسهم، فدعمتهم البنوك بما لا يطاق من أموال البقرة الحلوب أيام الرعي الوفير! هكذا، تشكلت برجوازية وطنية من ضرع الخزينة الوطنية وريع النفط ولكن أكثر من الضرائب المخصومة مباشرة من مرتبات الأجراء والموظفين، بعد أن صار دافعو الضرائب الحقيقيون من أصحاب المال والشكارة هم من يستفيدون من ضرائب البسطاء دون أن يدفعوا ضربة دماغ واحد بل، ويتهربون من كل أشكال الجباية ويرون في أنفسهم أصحاب حق الأخذ دون العطاء! فالبسطاء والعمال والأجراء والموظفون، هم من عليهم أن ينعشوا اقتصادياتهم ومعاملهم وبواخر “استورادهم”، عبر ضرائبنا المخصومة منا بدون نقاش ولا إرادة ولا رغبة منا!نحن ندفع نصف خلصتنا الشهرية  الخام للضرائب لكي تذهب لجيوب الأرباب الأعمال والشكارة والمال والفسدة أحيانا من السياسيين والبرلمانيين والإداريين والوزراء والقواد!

نمت على هذا الغيظ من فيض، لأجد نفسي أنا جامع الضرائب (عامل عليها، آكل منها!) في عز التقشف والأزمة المالية. بدأت بتعداد عدد الموظفين والعمال الذين يمكن اقتطاع الضرائب مباشرة من مرتباتهم فوجدت عددهم يزيد عن 10 ملايين. رفعت نسبة التحصيل الضريبي إلى الضعف ليصبع العامل والموظف تخصم من مرتبه 70 في المائة لأجل الضرائب (على حق العمل، على المرض على التقاعد، على التنفس، على تلويث البيئة، على إثقال أرض الوطن، على خنق حركة المرور والمشي، على الصخب والصراخ وإزعاج السلطات، على الحماية الأمنية للمنشآت الأمنية! حق اللي راك عايش، حق اللي عندك الجنسية الجزائرية، حق اللي راك تهدر وما يديرولك والو، حق اللي متزوج، حق اللي عندك سكن أو ما عندكش ما يهمش! حق اللي عندك باسبور، حق اللي عندك بيرمي، حق اللي عندك بطاقة تعريف، حق اللي قريت أو ما قرييتش كيفكيف،حق اللي عندك اللي يقرا أو اللي ما يقراش! حق اللي تسافر، حق اللي تاكل وتشرب وتروح للمرحاض!ّ حق اللي راك تصلي وما يرفدوكش! أضيف إلى ذلك، أخذ الجزية عن يد ونحن صاغرون! صرنا نأخذ من المواطن الجزية، ليس لكونه غير مسلم! لأن الجزية لا تؤخذ إلا من غير المسلمين من أهل الكتاب من الذميين الذين يرغبون في البقاء على دينهم ! لا! إنما تؤخذ الجزية لكونك مسلما! المسلم عليه أن يدفع الجزية لبيت مال غير المسلمين لكي نتركه يصلي ويسلم ويحج ويعمر ويصوم ويقول “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله”! وما نديروله والو!! المهم أن حجم الضرائب زاد بعد هذا الإصلاح الضريبي إلى 90 في المائة، وبقيت فقط 10 في المائة من المرتب الصافي للمواطن لكي يعيش ” العزة والكرامة”!

خرج المواطنون يشتكون في الشوارع بأن الخلصة لا تكفي وأن أصحاب المال والأعمال والشكارة قد سلبوهم أرزاقهم ودمروا معيشتهم الضنكة أصلا بسبب الغلاء وندرة المواد في السوق بعد احتكار أصحاب المال والاقتصاد الخاص كل أشكال التجارة الداخلية والخارجية لكي لا يفكر المواطن في شراء منتوج آخر غير منتوجهم المحلي ولو اضطر المواطن إلى الموت جوعا أو عطشا إلا أن يكون من عندهم وهم أصحابه ومسوقوه أو منتجوه أو بائعوه! اشتكوا وبكوا، وضربوا بالغاز و”الهراوات المسيلة للدموع” والدم، وقرر المواطن السكون والصمت والتوجه نحو التسول والنشل، لأنهم لم يتعودوا على العمل! فلقد عودناهم على الكسل والاتكال ففقدوا القدرة وخاصية العمل، وصار العمل عندهم هو الربح السريع بلا عمل المتمثل في التسول في أحسن الأحوال والسرقة في أهون الحال والجريمة في أسوأ الأهوال!

رقيت من منصب آمر الميزانية والخزينة إلى وزير أول مكلف بالاقتصاد وأنا أنوي “التشرشح” للرئاسة لكي أكمل للناس ديونهم ولأتمم عليهم نقمتي ولكي أرضى له الاستسلام دينا!

وأفيق وأنا أدندن تحت أنفي أغنية قديمة للمطربة سلوى: كيف رايي هملني..درت غرضك في وما زالني معك! وما تدوم الشدة لبدة من السلاك!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!