-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خلل في القبة الحديدية الدبلوماسية

خلل في القبة الحديدية الدبلوماسية

“يجب على إسرائيل أن تكون حذرة، لأنَّ الرأي العام العالمي بأسره يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها”، هو تصريح جديد للرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن العدوان على غزة، وصفه مراقبون بأنه تحوّل في موقفه من حكومة الاحتلال، وأنه سيكون له تداعيات على الحرب الجارية، رغم اعتباره من قبل البعض مجرد مناورات من البيت الأبيض الذي وفر غطاء لجرائم الحرب في فلسطين.
أظهرت مجريات الأحداث منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة، أن إدارة جو بايدن لم تكن فقط مجرد داعم لنتانياهو في حربه وإنما طرفا مباشرا فيها، من خلال تبني الروايات الكاذبة حول ما حدث يوم 7 أكتوبر، وتحريك حاملات الطائرات وجسر جوي لنقل الأسلحة، فضلا عن تعطيل أي قرار من مجلس الأمن لوقف العدوان.
وهذه المواقف من الإدارة الأمريكية، وصفها نتانياهو نفسه بأنها بمثابة “قبّة دبلوماسية”، لا تقل أهمية عن دور “القبة الحديدية” في حماية المدن الإسرائيلية من صواريخ المقاومة خلال السنوات الماضية، حتى أن الرجل يدعو إلى حل الدولتين اليوم، أي أنه يعترف بوجود احتلال في تناقض صارخ مع مواقفه بشأن ما يسمى “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
لكنَّ تصريحات بايدن الجديدة تظهره وكأنه أنه ضاق ذرعا بالفشل العسكري المتواصل لقادة الاحتلال في تحقيق نصر أو أي هدف من أهداف الحرب، رغم مرور أكثر من شهرين عن العملية العسكرية، والتي كان “الإنجاز” الوحيد لها هو قتل المدنيين والأطفال وتدمير البنى التحتية، وهي جرائم كان لواشنطن نصيبها فيها من سخط الرأي العام الدولي.
وبايدن الذي يكرر في كل مناسبة أنه “صهيوني” وأنه “لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا إيجادها”، لا يبدو أنه على خلاف مع قادة الاحتلال بشأن أهداف الحرب بالقضاء على المقاومة، لكن كلامه هذا في تجمع انتخابي لم يكن بذلك الحزم المنتظر لوقف آلة القتل الصهيونية، كما أنه ظهر في ثوب سياسي يترجى اللوبيات الصهيونية لتفهّم حجم الضرر الذي يسبّبه دعم الحرب على سمعة الولايات المتحدة، وبالتالي، تداعيات ذلك على صورتها في العالم في ظل التنافس الحاصل مع الصين وروسيا، في وقت تتزايد الهجمات ضد مصالحها في اليمن وسوريا والعراق أيضا.
وأكثر من ذلك، تكشف استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة حجم الضرر الذي خلّفته مواقف الدعم غير المشروطة لهذه الحرب الهمجية على حظوظ بايدن في الفوز بولاية ثانية، أمام تصاعد حظوظ غريمه ترامب، وهي بالتأكيد معطيات خلّفت تململا داخل الحزب الديمقراطي، تجلى في تصريحات ورسائل لقياديين يحذّرون من خطر مجاراة حكومة اليمين المتطرف في مغامراتها.
وبالمختصر المفيد، فإن كلام بايدن، ولو أن البعض قرأه باعتباره تحولا واضحا وتراجعا عن دعم خيارات نتانياهو، سيبقى مجرد تصريحات للاستهلاك مادام البيت الأبيض لم يلقِ بثقله لوقف العدوان، ومن ثمّ، فما قاله لا يعدو أن يكون رسالة للداخل الإسرائيلي من أجل التخلص من هذه القيادة اليمينية المتطرفة لإنقاذ دولتهم، وهو ما طلبه صراحة من نتانياهو بفك الارتباط مع بن غفير وسموتريتش، ما يعني تفكك الائتلاف والذهاب نحو انتخابات جديدة ستكون، بدون شك، محطة لإنهاء مستقبل نتانياهو السياسي، وربما فتح ملفات فساده القديمة.
كما جاءت هذه الخرجة من حاكم البيت الأبيض بالتزامن مع تزايد خسائر جيش الاحتلال في غزة سواء منها البشرية أو المادية، إلى درجة أن الجيش، وتحت ضغط وسائل الإعلام العبرية، لم يعد قادرا على التكتم على أعداد القتلى والجرحى في معارك الشجاعية وخان يونس بالدرجة الأولى.
وهناك من يتوجس من أي موقف أمريكي، حتى لو كان في تجاه وقف الحرب، إلى درجة التشكيك في كونه طوق نجاة لنتانياهو الذي غرق في أوحال غزة، على طريقة مدرِّبي كرة السلة الذين يطلبون وقتا مستقطعا لإعادة ترتيب أمور فرقهم في حال ملاحظة توجّه المنافس نحو السيطرة على المباراة أو حسمها لصالحه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!